لا علاقة على الإطلاق بين مصطلح كـ"حق بن هادي" ولقب ذي مكانة جهادية كبيرة كـ"الهادي"، مثلما قد يتبادر إلى الأذهان، إلا من باب تشابه الألفاظ ربما، أو من باب أن قياديا مؤمنا من صعدة لم ينتظر من مارين دفع إتاوات، كما كان يفعل بن هادي من قبل، بل حدث له أن توغل في العمق فأخذ الجمل بما حمل.
وبعيدا عن ورود اسمه ضمن قائمة أصدرتها وزارة الخزانة الأمريكية مؤخرا، يظل القيادي في جماعة أنصار الله علي الهادي أكبر من مجرد خزانة، على الأقل بالنسبة لجماعته. فالرجل سرعان ما أثبت جدارته بعد دخول العاصمة وانتظر الفرصة المناسبة كي ينقض على المعقل الأهم الذي ظل حتى تاريخ الحادي والثلاثين من مايو 2023 بمنأى عن السيطرة، وهو الغرفة التجارية والصناعية، واستطاع بمجرد اقتحام الغرفة مع "رجال الله" أن يرى نفسه رئيسها وبالاسم الخماسي هذه المرة: علي محمد محسن صالح الهادي، وشهادة ميلاد 1984، مدعومة بشهادة حسن سيرة وسلوك، مزيحا بذلك رئيس وأعضاء مجلس إدارة منتخبين.
أما أول ظهور له في الساحة الجهادية التجارية فكان ذلك عام 2017 بحضوره اجتماعا مع وزير الصناعة والتجارة في الحكومة السابقة محمد المطهر، وممثلين عن كبرى الشركات المستوردة للقمح، باعتباره هو وشخص آخر ممثلَين عن "شركة المحسن للتجارة". وأما ذلك الشخص الآخر (ويدعى شفيع ناشر العبسي، قلدته الجماعة منصب مستشار وزير الخارجية) فسيتوفى لاحقا بجائحة كورونا ويتم إخراج زوجته وأطفاله من السكن الذي كانوا فيه بعد أن امتنعت الشركة التي جاء لتمثيلها هو والهادي عن سداد الإيجار واضطرار صاحب المنزل إلى استعادة ما يمكن أن يصبح مع الوقت وبالنسبة لجماعة أدمنت مصادرة كل ما يقع تحت يدها في عداد المصادَر هو أيضا.
ربما بوفاة العبسي أو لأسباب أخرى أمكن للاسم أن يتحول من "شركة المحسن للتجارة" إلى "شركة المحسن إخوان" باعتبارها من الآن فصاعدا تخص علي الهادي وأخويه محمد وأحمد وحدهم، وبحيث ستقدمها وزارة الصناعة والتجارة الحوثية على أنها الشركة الغذائية التابعة لمجموعة الهادي، بحيث سيتم تكليف الهادي من قبل اللجنة الاقتصادية ومجلس تنسيق شؤون المساعدات "سكمشا" بنقل جميع شحنات الحبوب المقدمة من برنامج الغذاء العالمي إلى جميع المحافظات.
وعن علاقته القوية باللجنة الاقتصادية، فيمكن اعتبار الهادي أنه كان إحدى الأدوات التي يستخدمها رئيس اللجنة السابق حسن الصعدي، ثم سيربط علاقات واسعة مع رئيسها التالي هاشم إسماعيل، والذي يشغل أيضا منصب محافظ البنك المركزي بصنعاء.
وباعتبار أن شحنات الحبوب كانت تصل "سائبة" إلى موانئ الحديدة وتنقل للطحن في صوامع غلال هنا وهناك، فإن الهادي سيستطيع بعد فترة من تكليفه أن ينظم ذلك السائب ويقوم باستئجار صوامع البحر الأحمر، ثم حدث له أن اشتراها أو بالأصح أن استولى عليها بالقوة وبدعم منقطع النظير من قبل اللجنة الاقتصادية و"سكمشا"، ليكون بذلك قد حرم التجار الموردين للغذاء ومالكي الصوامع من أي عمل ونشاط لهم مع المنظمات.
في يونيو 2022 أعلنت وزارة الصناعة في حكومة صنعاء عن قيام الوزير محمد شرف المطهر بوضع حجر الأساس لـ"صوامع غلال المحسن التجارية" في الحديدة برأس مال قدره 40 مليون دولار.
وبحيازة الهادي على مطاحن وصوامع غلال يكون قد أصبح هو الشريك الرئيسي لبرنامج الغذاء العالمي () WFP في كل عملياته في اليمن، وصاحب الحق الحصري في كل المقاولات الخاصة بشراء الغذاء (خصوصا الفاسد منه) ونقله عبر المحافظات بدون مناقصة. حتى إذا انتهى العام 2024 سيتم الإعلان عبر موقع الأوتشا (OCHA) أن التمويلات التي استلمها برنامج الغذاء العالمي في اليمن تزيد عن 10 مليارات دولار منذ 2015. وبطبيعة الحال لا يدخل في هذا المبلغ أي من التمويلات الأخرى التي تأتي تحت مسمى تمويلات إضافية وتمويلات غير معلنة.
وبحسب الأكاديمي عبد القادر الخراز فإنه "إذا حسبنا كحد أدنى 50% موازنات تشغيلية لبرنامج الغذاء بمبلغ: 4,526,330,016.5 دولار، وهذي درجة من درجات الفساد للمنظمات باليمن التي نهبت بها التمويلات وتاجرت بمعاناة اليمنيين، نجد أن الهادي استطاع أن يحصل على مقاولات فاسدة بشكل حصري بالنصف الآخر من تمويل البرنامج بقيمة 4,526,330,016.5 دولار أمريكي بدون أي مناقصات"، باعتبار أن علي الهادي هو الذي "يتولى شراء المواد الغذائية والتي اغلبها غير مطابقة للمواصفات وبعضها تالف الى جانب تخزينها ونقلها".
أما بحسب المروية الشعبية، فقد كان هناك في أربعينيات القرن المنصرم ابن شيخ في تهامة يدعى بن هادي، وكان يفرض على العابرين في منطقته إتاوات مرور، بعيدا عن أنظار أبيه وتحت مصطلح "حق بن هادي"، فكان أن جاء قيادي مجاهد يدعى علي الهادي لا ليفرض مجرد إتاوات مرور، بل ليبلع -وبنظر جماعته المؤمنة- كل ما يمكن أن يمر من هنا أو هناك.