الحرب التجارية ودول الخليج... ثمار الفرص الضائعة

الجريدة الكويتية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

في الولاية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترامب (2017 - 2021) انطلقت الشرارة الأولى للحرب التجارية بين الولايات المتحدة من جهة، والصين والاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك وروسيا واليابان من جهة أخرى، بعد إعلان ترامب وجود نية لفرض رسوم جمركية تبلغ 50 مليار دولار على السلع الصينية، لتفرض بكين، كرد انتقامي، رسوماً جمركية على أكثر من 128 منتجاً أميركياً.

حينها، تباينت الآراء والتحليلات بشأن تأثير تلك الحرب على المنطقة العربية عموماً ودول مجلس التعاون الخليجي تحديداً، إذ رأت بعض التحليلات أن تأثير الحرب الجارية في الاقتصادات الخليجية سيكون محدوداً على المدى القصير، لكنه سيشتد في حال طالت الحرب وتفاقمت، مرجعة ذلك إلى تدني حجم التجارة مع الولايات المتحدة، لأن النسبة الأكبر من الصادرات الخليجية تذهب إلى الاتحاد الأوروبي وشرق وجنوب شرق آسيا، وتحديداً اليابان والصين وكوريا الجنوبية وماليزيا وغيرها.

في المقابل، ذهبت تحليلات أخرى أبعد من ذلك، ورأت أن منطقة الشرق الأوسط ودول مجلس التعاون الغنية بالنفط تبرز باعتبارها مستفيداً محتملاً من تلك الحرب، من خلال زيادة صادراتها إلى الدول الآسيوية، في حين هاجم مستثمرون في بلاد شرق آسيا التعريفات الجمركية الباهظة بين البلدين.

أما الآن، فالوضع مختلف، إذ اختمرت الحرب التجارية، في الثاني من أبريل، بإعلان ترامب، وفيما أسماه «يوم التحرير»، سلسلة من الرسوم الجمركية الجديدة تستهدف 180 دولة ومنطقة، وتشمل فرض نسبة 34% على الصين، و24% على اليابان، و31% على سويسرا، و46% على فيتنام، و32% على تايوان، و26% على الهند، بينما سيفرض الاتحاد الأوروبي رسوماً بنسبة 20%، فيما ستكون أقل نسبة للرسوم 10% من نصيب بريطانيا ودول الخليج وبعض الدول العربية الأخرى، وما أعقب ذلك من ردود فعل انتقامية من جانب عدد من الدول المستهدفة، بدأت بفرض الصين رسوماً جمركية بنسبة 34% على الواردات الأميركية، وفرض كندا رسوماً بنسبة 25% على السيارات المصنعة بأميركا.

فتزامناً مع إشعال الرئيس الأميركي الفتيل، وما أججه من حرب تجارية عالمية، تهدد بارتفاع التضخم وتقويض النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة والعالم، يبدو طرح العديد من الأوساط أن «أحداً لن يربح، إذا انزلق العالم نحو حرب تجارية» وأن «لا أحد في مأمن من العاصفة» و»الاقتصاد العالمي سوف يعاني بشدة» واليقين بأن التأثير سيكون سلبياً حول العالم صحيحاً، حتى إن تفاوتت تداعياتها وارتداداتها من اقتصاد إلى آخر.

منطقة الخليج

ورغم أن منطقة الخليج ليست معنية مباشرة بتلك التوترات، إذ تعتبر منطقة مستوردة ذات عجز تجاري كبير باستثناء صادرات النفط، فإنها ستتأثر حتماً بالتأثيرات المرتدة لتلك النزاعات من خلال العديد من القنوات التي أوردتها تقارير وتحليلات تناولت تأثير الحرب التجارية على المنطقة، منها: معدلات التضخم القياسية، والضغوط على أسعار النفط، وارتفاع أسعار بعض السلع والمعادن، والحاجة إلى خفض أسعار الفائدة، خوفاً من الركود، حتى وإن تفاوتت الآراء بشأن السياسات النقدية في ظل هذه الظروف.

أضف إلى ذلك، أن الليلة ليست كالبارحة، فبالإضافة إلى المستجدات الحاصلة على الملف الاقتصادي من استفحال التضخم وما تبعه من إجراءات على مستوى السياسات النقدية ورفع معدلات الفائدة إلى مستويات قياسية، ما أدى إلى تباطؤ ملحوظ في النمو الاقتصادي، وتنامي احتمالات حدوث ركود، وبالإضافة إلى دخول المنطقة في مرمى «يوم التحرير» وإعلان ترامب رسوماً جمركية على دول الخليج بنسبة 10%، فإن اقتصادات المنطقة الآن باتت في مرمى تصعيد چيوسياسي غير مسبوق، لم تواجه، حتى الآن، سوى القليل من التكاليف الناجمة عن الصراع، إذ تبقى آفاقها مرتهنة بتطوراته، إن توسع فقد ينزلق قسم كبير من الشرق الأوسط إلى أزمة أعمق، يتردد صداها في جميع أنحاء العالم.

النمو الاقتصادي

ووسط هذه الظروف، حذرت العديد من المؤسسات والأوساط الاقتصادية من تقويض النمو الاقتصادي العالمي، وبالطبع، انعكاسه على النمو في المنطقة، كما خفضت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD توقعاتها للنمو العالمي في عام 2025 على خلفية تراجع آفاق النمو في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو.

وأوضحت المنظمة أن التوترات التجارية منذ عودة دونالد ترامب الى البيت الأبيض في يناير، والتوترات السياسية والجيوسياسية في كثير من دول العالم، تؤثر سلباً على توقعات النمو الاقتصادي.



وتوقعت المنظمة أن يحقق إجمالي الناتج المحلي العالمي نمواً نسبته 3.1% خلال السنة الحالية، بانخفاض 0.2% عن توقعاتها الأخيرة التي نشرتها في ديسمبر.

أيضاً، قالت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني، إن الإدارة الأميركية الجديدة بدأت حرباً تجارية عالمية من شأنها أن تخفّض معدل النمو الاقتصاد العالمي والأميركي وتدفع التضخم في الولايات المتحدة للارتفاع وتؤخر تخفيضات أسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفدرالي.

وتوقعت الوكالة تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي إلى 2.3 في المئة هذا العام، وهو معدل أقل بكثير من الاتجاه السائد، ومن 2.9 في المئة عام 2024.

وخفّضت الوكالة بهذا توقعاتها لنمو الاقتصاد العالمي بنسبة 0.3 نقطة مئوية، ما يعكس انخفاضاً واسع النطاق في التوقعات للاقتصادات المتقدمة والناشئة.

وبحسب الوكالة، فإن نمو الاقتصاد العالمي سيظل ضعيفاً عند 2.2 في المئة عام 2026.

أيضاً، خلصت توقعات عدد من البنوك العالمية، إلى أن هناك ركوداً اقتصادياً عالمياً محتملاً، وأن خطره ارتفع بنسبة قد تصل، حسب «جيه بي مورغان» إلى 60%، بالإضافة إلى تأثيرات محتملة على التضخم والإنفاق الاستهلاكي والاستثمار.

التضخم

ومع زيادة ضبابية المشهد العالمي تتنامى مخاوف حدوث الركود التضخمي، إذ صاحب هذا التقويض في النمو الاقتصادي، قفزة في توقعات التضخم على المدى الطويل لأعلى مستوياتها في 32 عاماً مع استمرار تزايد القلق بشأن الرسوم الجمركية، إذ ارتفعت توقعات التضخم على المدى الطويل، الصادرة عن مؤشر جامعة ميشيغان، بشكل كبير هذا العام، استقرت مؤشرات أخرى. ووفقاً لمسح أجراه بنك الاحتياطي الفدرالي في نيويورك للمستهلكين، ظلت توقعات التضخم للسنوات الثلاث والخمس القادمة عند نفس مستوى الشهر الماضي.

أيضاً، حذرت العديد من الأوساط السياسية النقدية من مخاطر محتملة تتمثل في إمكانية ارتفاع التضخم مرة أخرى، كما أنه من المتوقع أن تؤدي زيادة الرسوم الجمركية إلى رفع الأسعار في البلد الذي يفرضها، وتقليص النشاط الاقتصادي في البلد المستهدف، وهذا هو كل ما يمكن للبنوك المركزية في مختلف أنحاء العالم أن تكون متأكدة منه في استجابتها للرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها الرئيس ترامب على الواردات إلى الولايات المتحدة، والتي تهدد بإعادة توجيه الاقتصاد العالمي بطرق لا يمكن التنبؤ بها.

ووفقاً لما ذكره تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال»، فإن رسوم ترامب الجمركية ستؤدي في البداية إلى رفع الأسعار، ثم تُحدث لاحقاً تأثيراً انكماشياً في حال تباطؤ الاقتصادات.

ولهذه الأسباب، ليس اتخاذ القرار الصائب بشأن الرسوم الجمركية أمراً سهلاً على البنوك المركزية، ولكن من المرجح أن تتجه البنوك المركزية إلى تخفيف السياسة النقدية لمواجهة الضربة التي لحقت بالنمو.

السلع والأسهم

لن يتوقف الأمر عند هذا الحد، بالتأكيد ستتأثر معظم السلع وترتفع أسعارها على مستوى العالم كله، كالسيارات التي دخلت رسومها حيز التنفيذ في الثالث من أبريل ما أدى إلى زيادة كبيرة في التكاليف واضطرابات في سلاسل الإمداد الخاصة بالقطاع، كما تأثرت أسهم كبرى شركات القطاع في الولايات المتحدة ومنافسيها العالميين، وأيضاً تأثرت أسواق الأسهم الأميركية بشكل عام، التي بالفعل منيت بخسائر قياسية عقب القرار مباشرة بلغت نحو 2.5 تريليون دولار من قيمتها السوقية، وهو ما أثر بالتبعية على أسواق العالم والمنطقة.

خيارات مُرّة

وعلى الرغم من أن تبعات القرار تبدو محدودة على دول المنطقة، فإن رؤية التحليلات حول ارتفاع أسعار السلع التي تدخل المعادن الخاضعة للرسوم الجمركية في إنتاجها، كالسيارات والشاحنات وغيرها، وبما يؤدي إلى نمو التضخم المستورد، الذي يتطلب بالضرورة، مجموعة من السياسات التقييدية ذات الأثر السلبي والمعاكس على النمو الاقتصادي، اتسقت مع دفعها – التحليلات – باضطرارية دول المنطقة إلى رفع معدلات الفائدة، إذا اضطر الاحتياطي الفدرالي إلى رفعها لمواجهة التضخم الناتج عن الرسوم الجمركية المرتفعة.



ذلك الدفع الذي تدحضه أيضاً خصائص الاقتصادات الخليجية عموماً، والكويت تحديداً التي وعلاوة على استقلالية مسار سياستها النقدية عن مسار نظيرتها الأميركية تشترك تقريباً مع جيرانها في ضعف وتيرة النشاط الاقتصادي في القطاعات غير النفطية، وتراجع وتيرة النشاط التجاري والاستثماري وتقلص آفاق الفرص الاستثمارية المجزية، إضافة إلى ابتعاد مسار تلك الاقتصادات عن مسار الاقتصاد الأميركي، حين بدأت أسعار النفط الخام بالتراجع منذ عام 2014، مما عزز قوة الاقتصاد الأميركي ومعدلات أنشطته الخدمية والإنتاجية، بينما أضاف أعباء ثقيلة على الاقتصادات الخليجية المنكمشة بالفعل.

ووسط هذه الظروف الاقتصادية، إن لم يكن من الضروري خفض معدلات الفائدة لتشجيع الاستثمار والحد من زيادة الودائع لدى الأجهزة المصرفية للتخلص من تخمة السيولة التي تعاني منهات البنوك الخليجية، فعلى الأقل ينبغي الدفع بضرورة رفع معدلاتها استتباعاً لاضطرارات المجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي، وهو بالطبع الخيار المُرّ.

وإعمالاً، وحتى لا تنزلق الاقتصادات الخليجية إلى أزمة أعمق، نتيجة موجة السياسات الاقتصادية الحمائية، فليس أمامها إلا أن تتحوط كمنظومة اقتصادية تكاملية لا تنافسية من خلال منظمة مجلس التعاون الخليجي كالتكتلات الاقتصادية المعروفة، خصوصاً أنها تمتلك العديد من المقومات كاستحواذها على نحو 40% من احتياطيات النفط العالمي والثروات السيادية التي تقدر بـ4 تريليونات دولار أو حتى الموقع الجغرافي المحوري بين طرق التجارة العالمية، والتي تضمن خيارات عدة لتوسيع الشراكات مع الاقتصادات الأخرى، وإلا فليس أمامها إلا الخيار الآخر الذي فرضه وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت وهو يحذر العالم من التصعيد: «استرخوا، تحمّلوا الضربة، وانتظروا لمشاهدة كيف سيتطور الوضع، لأنه إذا رديتم فسيكون هناك تصعيد».

الذهب والنفط

بمجرد الإعلان عنها، أربكت الرسوم الجمركية الأسواق في تعاملات اتسمت بالاحتماء بالملاذات الآمنة من الأصول والعزوف عن المخاطرة، إذ ارتفع الذهب بنسبة 19% هذا العام بعد موجة صعود قوية في عام 2024، مدفوعةً بشكل كبير بعمليات شراء ضخمة من البنوك المركزية وطلب قوي في آسيا، بحسب ما ذكرته «بلومبرغ»، بينما تراجع النحاس، في إشارة إلى تباطؤ أكبر للاقتصاد العالمي.

ومع وضوح مصير الذهب، يبدو المشهد ضبابياً بالنسبة للنفط، فمن الطبيعي أن تضغط الرسوم الجمركية وما يستتبعها من تباطؤ في حركة التجارة على الأسعار، التي هوت بنسبة 6%؜ بمجرد الإعلان عن الرسوم، بشكل كبير، وذلك رغم إعفاء واردات النفط والغاز والمنتجات المكررة من الرسوم، لكن تبقى الأسعار رهن التوترات الجيوسياسية في المنطقة واحتمالات التصعيد في أي لحظة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق