يشهد المغرب في السنوات الأخيرة نهضة لوجستية واقتصادية غير مسبوقة، توجت بترسيخ مكانته كقوة بحرية صاعدة في منطقة غرب البحر الأبيض المتوسط، فقد طور قاعدته من الموانئ وأصبحت تضاهي كبرى الموانئ العالمية من حيث البنية التحتية والتدبير اللوجستيكي، وعلى رأسها ميناء طنجة المتوسط الذي يعد من بين الأهم عالميا من حيث الربط البحري وعدد الحاويات المعالجة سنويا، كما تسهم موانئ الدار البيضاء، الجرف الأصفر، أكادير، الداخلة والناظور بدور كبير في تعزيز القدرات التصديرية والاستيرادية للبلاد، وتستخدم كمراكز حيوية لإعادة التوزيع نحو بلدان إفريقيا جنوب الصحراء.
لا يقتصر دور الموانئ المغربية على الجانب الاقتصادي فقط، بل يعزز حضور المغرب في مبادرات التعاون الإقليمي والدولي، خاصة في ظل التوجه العالمي نحو تعزيز سلاسل التوريد البحرية وتأمين طرق التجارة، كما تشكل هذه الموانئ ركائز استراتيجية لمشاريع الربط الطاقي، الرقمي والغذائي بين أوروبا وإفريقيا، ويأتي ميناء طنجة على رأس أهم هذه الموانىء، فمنذ انطلاقه سنة 2007، تمكن ميناء طنجة المتوسط من فرض نفسه كأحد أكبر الموانئ المتوسطية والعالمية، وقد تجاوزت طاقته 9 ملايين حاوية سنويا، محتلا بذلك مراتب متقدمة في التصنيفات العالمية، متجاوزا موانئ تقليدية مثل ميناء فالنسيا الإسباني وجنوة الإيطال، ويمتاز الميناء بموقعه الاستراتيجي على مفترق الطرق البحرية بين أوروبا وإفريقيا، كما يربط أكثر من 180 ميناء في 70 دولة، مما جعله منصة لوجستية عالمية وجسرا تجاريا يربط بين القارات.
ومن الموانىء المهمة التي تراهن عليها المملكة لتعزيز حضورها شرق المتوسط وتحقيق تنمية جهوية بشمال شرق المغرب، ميناء الناظور غرب المتوسط، فهو يعد من المشاريع الاستراتيجية الكبرى، وينتظر أن يبدأ تشغيله في السنوات القليلة المقبلة، سيكون مجهزا بمحطات للحاويات والطاقة، وسيكون بوابة حيوية نحو إفريقيا وأوروبا، خاصة مع قربه من أسواق شمال افريقيا.
نجد أيضا ميناء الدار البيضاء الذي يعتبر من أقدم وأكبر الموانئ المغربية من حيث حجم الأنشطة التجارية، وعلى الرغم من بروز طنجة المتوسط كمركز للحاويات، لا يزال ميناء الدار البيضاء يلعب دورا حيويا في الاقتصاد المغربي، من خلال نقل السلع والمنتجات الفلاحية والصناعية، واحتضانه لمنطقة صناعية نشطة تدعم الاقتصاد المحلي.
يزخر المغرب أيضا بعدد من الموانئ النشيطة الأخرى التي تدعم الرؤية الوطنية مثل ميناء أكاديرالمتخصص في تصدير المنتجات الفلاحية والبحرية، وميناء الجرف الأصفرالذي يعتبرمركزا أساسيا لنقل الفوسفات ومشتقاته، أيضا ميناء آسفي الذي يدعم الصناعة الكيماوية ويحتضن مشاريع طاقية، وميناء العيون والذي يخدم جهات الجنوب ويواكب أنشطة الصيد البحري والمواد الفلاحية.
تندرج هذه المشاريع ضمن الاستراتيجية الوطنية للموانئ في أفق 2030، التي تهدف إلى جعل المغرب مركزا لوجستيا عالميا، وتعزيز اندماجه في سلاسل القيمة العالمية، ويعزز هذا التوجه استثمارات ضخمة في البنية التحتية، والرقمنة، وتكوين الكفاءات، وربط الموانئ بشبكات الطرق والسكك الحديدية.
بفضل هذه المشاريع الطموحة والرؤية الاستراتيجية، لم يعد المغرب مجرد نقطة عبور، بل أصبح فاعلا رئيسيا في التجارة العالمية، ومنافسا حقيقيا لقوى إقليمية ودولية في المجال البحري واللوجستي، وكل الأنظار تتجه الآن إلى ما ستحدثه موانئ الناظور والداخلة من تأثير إضافي يرسخ مكانة المملكة كمحور تجاري بين الشمال والجنوب والشرق والغرب.
*كاتبة وإعلامية مغربية
0 تعليق