في عصر تتباهى فيه المؤسسات المالية بالتحول الرقمي والاعتمادية الفائقة لأنظمتها، تبدو حجة "التحديث الزمني" غير مقنعة؛ فأنظمة التشغيل الذكية قادرة منذ سنوات على التعامل تلقائيًا مع تغييرات التوقيت، بل إن معظم التطبيقات على الهواتف الذكية والأنظمة المصرفية العالمية تقوم بتحديث ساعاتها دون أدنى تأثير على الخدمات أو العملاء.
يبقى السؤال: لماذا يتم إيقاف أنظمة كاملة لفترة تتجاوز خمس ساعات، تشمل تحويل الأموال، والسحب عبر المحافظ الإلكترونية، والدفع عبر الموبايل؟ ولماذا لا يتم تنفيذ هذا التحديث تدريجيًا أو عبر خطط عمل ذكية لتفادي أي توقف شامل؟
ما قد يبدو مجرد انقطاع مؤقت في الخدمات الرقمية، ينعكس فعليًا بخسائر اقتصادية ملموسة. إذ تعتمد آلاف الشركات الصغيرة والمتاجر الإلكترونية على التحويلات اللحظية لتسيير أعمالها اليومية، وأي انقطاع مفاجئ قد يؤدي إلى فقدان مبيعات، وتأخير في تسليم الطلبات، بل وتضرر السمعة التجارية أمام العملاء.
أما في الحالات الطارئة، مثل تحويل أموال لمريض يحتاج إلى عملية عاجلة، أو دفع رواتب عمال يوميين، فقد يؤدي التأخير إلى أضرار فادحة لا تُعوض.
والأهم من ذلك أن الاعتمادية تمثل جوهر التعاملات الرقمية، وكل انقطاع غير مبرر يزرع الشكوك لدى العملاء حول كفاءة الأنظمة، ويدفعهم إلى البحث عن بدائل أكثر موثوقية.
ما يزيد من حجم الأزمة أن هذا التوقف تم دون وجود أي بدائل أو خطط طوارئ معلنة. لم يتم توفير قنوات بديلة لمعالجة الحالات الحرجة، كما لم توضع مواعيد دقيقة لتحديث كل شركة على حدة لتفادي التوقف المتزامن، بل جرى التنفيذ بطريقة أقرب إلى "الإيقاف الشامل"، وكأن الزمن توقف في مصر بين منتصف الليل والخامسة صباحًا.
من هنا تظهر الحاجة الملحة لتبني شركات المحمول والبنوك نماذج تشغيل أكثر ذكاءً، يتم من خلالها
جدولة التحديثات بصورة تدريجية دون تعطيل الخدمة كليًا والاعتماد على أنظمة احتياطية تضمن استمرارية العمل أثناء صيانة الأنظمة الأساسية، مع إجراء التحديثات ضمن "نافذة صيانة" حقيقية لا تتجاوز دقائق معدودة، على غرار ما تقوم به المؤسسات المالية الكبرى عالميًا.
في النهاية، لا يقتصر التحول الرقمي على امتلاك تطبيقات ومنصات إلكترونية، بل يتجسد في إدارة مرنة وذكية لهذه البنية الرقمية، خاصةً عند مواجهة أحداث روتينية متوقعة مثل تغيير التوقيت الصيفي.
حيث إن إيقاف كافة أنظمة السحب والتحويل في وقت أصبح فيه الاقتصاد الرقمي عصب الحياة اليومية، لا يعبر سوى عن فجوة حقيقية بين طموحات التحول الرقمي والواقع التشغيلي فمن دون جاهزية حقيقية، تظل كل الشعارات الرقمية مجرد حبر على ورق.
0 تعليق