الاستلام بالإردب ليس في صالح الفلاح!

مصرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ
منذ أكثر من سبعين عامًا تحولت مصر إلى نظم الوزن والقياس الفرنسية، أى المتر والكيلومتر والكيلوجرام والطن، بدلًا من الإنجليزية: الياردة والقدم والميل والرطل والقدح والكيلة، ولم يعد أحد يشترى الخضروات واللحوم والدواجن بالرطل، ولا يشترى المكاييل بالقدح والكيلة. حتى الإردب وحدة مكاييل الحبوب والبقول تحولت إلى الشراء بالطن فى الأرز والشعير والفول والعدس والذرة، بينما مازالت الحكومة مُصرة على الإبقاء على استلام القمح من الفلاحين بالإردب!!. ويختلف وزن الإردب من محصول لآخر فهو فى القمح 150 كيلوجرامًا، وفى الشعير 140 كجم، وفى الذرة يختلف بالوزن للحبوب فقط أم بالقلاحة والحبوب معًا. وهنا يأتى التساؤل: هل لدينا ميزان يزن بالإردب؟! الإجابة بالطبع لا يوجد، ولكننا نزن بالكيلوجرام والطن ثم نحوله إلى إردب، فلماذا نُبقى على الإردب طالما الوزن بالكيلوجرام والطن؟! ولماذا لا نستلم القمح بالطن مباشرة كما نستورده بالطن؟! وهل هذا فى صالح الفلاح أم يفتح بابًا للمغالطة والجور على الفلاح؟! وبحسبة بسيطة فإن الطن ثابت بوزن ألف كجم، وإردب القمح 150 كجم، وبالتالى فلتحويل الوزن بالطن أثناء الاستلام إلى إردب نحاسب عليه الفلاح نقوم بقسمة الوزن بالطن على 6.67، ومن هنا يأتى الجور على الفلاح من بعض أو القليل من مستلمى القمح فى الشون الزراعية وغيرها، فهناك من يقسم على 7، وهناك من يبالغ ويقسم على 8 ليقلل من مستحقات المزارعين ويؤمن نفسه، وبالبحث عن أسباب ذلك برر مسؤولو الاستلام بأن السبب فى هذه المغالطات أنه لتأمين أنفسهم، لأنهم عندما يضعون القمح المستلم فى الشون المفتوحة والهناكر يكون عرضة وطعامًا للطيور والقوارض التى تأكل من أجولة القمح أو القمح المصبوب صبًا دون أجولة، ونسميه الاستلام فى الجورة، وبالتالى فما تلتهمه الطيور والقوارض سوف يُخصم من مسؤول الشونة الغلبان عند تسليمه لهيئة السلع التموينية، والأفضل أن يوزع هذا الخصم على جموع الفلاحين بنسب بسيطة فلا يتضرر المسؤولون عن الشون؟! أى يتضرر آلاف وملايين الفلاحين بدلًا من تضرر عشرات من مسؤولى الشون إذا فرضنا وجود ضرر فعلي رغم أن هيئة السلع تفترض نقصًا 1٪ لهذا السبب عند الاستلام من الشون؟!
وأثناء عملى كمستشار لوزير التموين فى هيئة السلع التموينية منذ نحو عشرين عامًا كان يتم إخطار الهيئة يوميًا بالكميات المستلمة من كل شونة على حدة حتى نحول لهم المبالغ المستحقة عن كل يوم لتصرف للفلاحين خلال 48 ساعة من تاريخ التوريد، وبالتالى تكون لدينا بيانات فعلية بالكميات المستلمة يوميًا وأسبوعيًا ثم خلال الموسم كله. ولكن عند الاستلام النهائى فى نهاية موسم التوريد كثيرًا ما نجد زيادات على أرض الواقع عن الكميات المبلغ باستلامها والمدفوع ثمنها كاملة، وتكون أحيانًا بعشرات وأحيانًا بمئات الأرادب، ويطالب المسؤولون عن الشون بفارق الأسعار، فترفض الهيئة صرف هذا الفارق لأنه ناتج عن مغالطات الفلاحين الموردين للقمح، وكل هذا بسبب ما شرحناه من أنه لا موازين لدينا بالإردب ولكن كل الموازين على أرض مصر بالكيلوجرام والطن ويتم بعد ذلك تحويلها إلى الإردب وتأمين فاقد القوارض والطيور، ولكن خصمًا من جهد ومستحقات الفلاحين.
وبما أن الحكومة استطاعت التوسع فى بناء الصوامع المحصنة ضد هجوم واستهلاك الطيور والقوارض بسعات وصلت إلى 3.5 مليون طن، بالإضافة إلى صوامع جهاز ومشروع مستقبل مصر، والتى سوف تضيف سعات تصل إلى مليون طن جديدة، بينما ما يورد فعليًا للدولة خلال السنوات العشر الماضية لا يتجاوز 3.5 مليون طن، فليس هناك حاجة الآن لاستلام وحساب القمح من المزارعين بالإردب، بينما الوزن عند الاستلام بالكيلوجرام والطن وما يصاحب تحويل الطن إلى إردب من احتمالات الجور على المزارعين، وعلى الحكومة أن تتحول للاستلام بالطن مباشرة، وأن يقف المزارع على قمحه أثناء الاستلام ويسجل بنفسه الوزن الصحيح، وبالتالى يشعر بالرضا والأمان والثقة، وأنه يحصل على كامل حقوقه التى تحرص عليها الحكومة ويستفيد منها الفلاح.
هذا النظام الخليط الذى يجمع بين نظامى الموازين الفرنسى والإنجليزى لا يوجد له مثيل فى العالم، وعلينا أن نوحد هذه المقاييس، وأن نوحد طرق الاستلام، فكما نتسلم الأرز بالطن من المزارعين، فعلينا أن نتسلم القمح أيضًا بالطن، وأن وزن الإردب والقدح والكيلة قد أُلغى بقرار رسمى منذ زمن بعيد والإبقاء على بعض منه ليس فى صالح أحد، فلا الحكومة ترغب فى هدر حقوق الفلاح، ولا الفلاح يرتضى بالخصم منه، والمستفيد الوحيد سيكون بعض المسؤولين (وليس جميعهم لأن أغلبهم من الشرفاء) عن الشون، والذين يبيعون الفارق لصالحهم، حيث يزنون ما لديهم من القمح قبل جرد وزارة التموين، ثم يتصرفون فى الفارق لصالحهم على حساب الفلاح الضحية الوحيدة، والذى تعمل كل حكوماتنا على حماية حقوقه وزيادة دخله وتقدير جهده فى زراعة هذا المحصول الاستراتيجى وغيره من الحاصلات المهمة للمواطن.
استلام القمح بالطن بدءًا من توريد هذا العام لصالح الجميع ويزيد الرضا عن الإداء الحكومى وزيادة دخل الفلاحين ومنع استفادة المنتفعين ومنع الازدواجية فى معايير القياس والوزن.
* كلية الزراعة- جامعة القاهرة
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق