وأثناء عملى كمستشار لوزير التموين فى هيئة السلع التموينية منذ نحو عشرين عامًا كان يتم إخطار الهيئة يوميًا بالكميات المستلمة من كل شونة على حدة حتى نحول لهم المبالغ المستحقة عن كل يوم لتصرف للفلاحين خلال 48 ساعة من تاريخ التوريد، وبالتالى تكون لدينا بيانات فعلية بالكميات المستلمة يوميًا وأسبوعيًا ثم خلال الموسم كله. ولكن عند الاستلام النهائى فى نهاية موسم التوريد كثيرًا ما نجد زيادات على أرض الواقع عن الكميات المبلغ باستلامها والمدفوع ثمنها كاملة، وتكون أحيانًا بعشرات وأحيانًا بمئات الأرادب، ويطالب المسؤولون عن الشون بفارق الأسعار، فترفض الهيئة صرف هذا الفارق لأنه ناتج عن مغالطات الفلاحين الموردين للقمح، وكل هذا بسبب ما شرحناه من أنه لا موازين لدينا بالإردب ولكن كل الموازين على أرض مصر بالكيلوجرام والطن ويتم بعد ذلك تحويلها إلى الإردب وتأمين فاقد القوارض والطيور، ولكن خصمًا من جهد ومستحقات الفلاحين.
وبما أن الحكومة استطاعت التوسع فى بناء الصوامع المحصنة ضد هجوم واستهلاك الطيور والقوارض بسعات وصلت إلى 3.5 مليون طن، بالإضافة إلى صوامع جهاز ومشروع مستقبل مصر، والتى سوف تضيف سعات تصل إلى مليون طن جديدة، بينما ما يورد فعليًا للدولة خلال السنوات العشر الماضية لا يتجاوز 3.5 مليون طن، فليس هناك حاجة الآن لاستلام وحساب القمح من المزارعين بالإردب، بينما الوزن عند الاستلام بالكيلوجرام والطن وما يصاحب تحويل الطن إلى إردب من احتمالات الجور على المزارعين، وعلى الحكومة أن تتحول للاستلام بالطن مباشرة، وأن يقف المزارع على قمحه أثناء الاستلام ويسجل بنفسه الوزن الصحيح، وبالتالى يشعر بالرضا والأمان والثقة، وأنه يحصل على كامل حقوقه التى تحرص عليها الحكومة ويستفيد منها الفلاح.
هذا النظام الخليط الذى يجمع بين نظامى الموازين الفرنسى والإنجليزى لا يوجد له مثيل فى العالم، وعلينا أن نوحد هذه المقاييس، وأن نوحد طرق الاستلام، فكما نتسلم الأرز بالطن من المزارعين، فعلينا أن نتسلم القمح أيضًا بالطن، وأن وزن الإردب والقدح والكيلة قد أُلغى بقرار رسمى منذ زمن بعيد والإبقاء على بعض منه ليس فى صالح أحد، فلا الحكومة ترغب فى هدر حقوق الفلاح، ولا الفلاح يرتضى بالخصم منه، والمستفيد الوحيد سيكون بعض المسؤولين (وليس جميعهم لأن أغلبهم من الشرفاء) عن الشون، والذين يبيعون الفارق لصالحهم، حيث يزنون ما لديهم من القمح قبل جرد وزارة التموين، ثم يتصرفون فى الفارق لصالحهم على حساب الفلاح الضحية الوحيدة، والذى تعمل كل حكوماتنا على حماية حقوقه وزيادة دخله وتقدير جهده فى زراعة هذا المحصول الاستراتيجى وغيره من الحاصلات المهمة للمواطن.
استلام القمح بالطن بدءًا من توريد هذا العام لصالح الجميع ويزيد الرضا عن الإداء الحكومى وزيادة دخل الفلاحين ومنع استفادة المنتفعين ومنع الازدواجية فى معايير القياس والوزن.
* كلية الزراعة- جامعة القاهرة
0 تعليق