بفضل صندوق تكنولوجي بقيمة تريليون يوان صيني، ونظام تعليمي قوي في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وسياسات تقدمية تدعم ريادة الأعمال الخاصة، فإن تركيز الصين الدؤوب على الاعتماد على الذات والابتكار يدفع البلاد نحو قفزة تكنولوجية غير مسبوقة تُعيد تشكيل مستقبل الاقتصاد العالمي.
يتجلى التزام الصين بإعطاء الأولوية لنماذج الذكاء الاصطناعي واسعة النطاق، وتقنيات الكم، والتقدم العلمي في إنشاء صندوق تكنولوجي بقيمة تريليون يوان تقريبًا.
وفقًا "لليو هي"، المستشار الاقتصادي البارز، "يُعد هذا الصندوق محوريًا في تقليل الاعتماد على القطاعات التقليدية وتعزيز تطوير التكنولوجيا المتقدمة"، وتُعزز هذه المبادرة بإصدار سندات خاصة بقيمة 4.4 تريليون يوان وسندات سيادية بقيمة 500 مليار يوان لإعادة رسم سياسية البنوك، بهدف تحفيز النمو الاقتصادي القائم على الابتكار.
وأكد تشنغ شانجي، رئيس اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح في الصين، أن الصندوق سيستهدف قطاعات "التكنولوجيا الصلبة"، بما في ذلك أشباه الموصلات والطاقة المتجددة، لتعزيز المرونة الاقتصادية والأمن القومي.
يُعد الاستثمار المكثف في التعليم لرعاية جيل جديد من المبتكرين حجر الزاوية في استراتيجية الصين، وقد خصصت الحكومة موارد كبيرة لتوظيف متخصصين في الذكاء الاصطناعي وتعزيز تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في الجامعات.
ويُبرز تقرير حديث "لصحيفة فاينانشيال تايمز" أن الصين تهدف إلى تخريج 20 مليون دارس في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات بحلول عام 2030، مما يعزز منظومة الابتكار لديها ويسد فجوة المواهب العالمية.
كما صرّح تشانغ يي مينغ، مؤسس شركة بايت دانس" لتكنولوجيا الانترنت، قائلاً: "يكمن مستقبل الابتكار في تنمية المواهب المتميزة، والصين في وضع جيد لقيادة هذا التحول".
تُظهر التطورات السريعة لشركات مثل "ديب سيك" براعة الصين المتنامية في تقنيات الذكاء الاصطناعي، فقد تفوقت نماذج الذكاء الاصطناعي من "ديب سيك" على نظيراتها الغربية في تطبيقات معينة، وتتكامل بسلاسة مع المنصات الصينية الرئيسية، مما يضع الصين في صدارة العالم في مجال ابتكار الذكاء الاصطناعي.
وأشار إريك شميدت، الرئيس التنفيذي السابق لشركة جوجل في حوار (لصحيفة ساوث تشاينا مورنينج بوست عام 2024 ).، إلى أن "تقدم الصين في مجال الذكاء الاصطناعي مدفوعٌ بحجمه الهائل ودعمه الحكومي، مما يجعلها لاعبًا بارزًا على الساحة العالمية".
ردًا على العقوبات الأمريكية على التكنولوجيا، كثّفت الصين جهودها لتقليل الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية، ويهدف صندوق التكنولوجيا، الذي تبلغ قيمته تريليون يوان صيني والمُخصّص للذكاء الاصطناعي والحوسبة، إلى تعزيز المرونة الاقتصادية والأمن القومي.
بالإضافة إلى ذلك، يُنظر إلى تحول الصين من ضخ رأس المال إلى التنسيق الاستراتيجي كاستراتيجية طويلة الأجل للهيمنة على التقنيات الأساسية مثل الجيل السادس (6G) والتصنيع الحيوي.
وقد أكد رين تشنغ فاي، مؤسس شركة هواوي، أن "الاعتماد على الذات في التقنيات الأساسية أمرٌ ضروريٌّ لأمن الصين الاقتصادي وقدرتها التنافسية العالمية"، وبحلول عام 2030، تهدف الصين إلى الحصول على 40% من كهربائها من الوقود غير الأحفوري، وإطلاق 13 مليون مركبة طاقة جديدة.
ويهدف تطبيق قانون تعزيز الاقتصاد الخاص إلى حماية الشركات الخاصة، وتعزيز ريادة الأعمال كمحرك للتقدم التكنولوجي.
وفقًا "لصحيفة ساوث تشاينا مورنينج بوست"، يضمن هذا القانون المنافسة العادلة، ويشجع الابتكار، ويوفر الدعم المالي للشركات الصغيرة والمتوسطة، مما يعزز منظومة الابتكار في الصين.
وصرح جاك ما، المؤسس المشارك لشركة علي بابا، قائلاً: "إن ازدهار القطاع الخاص أمر بالغ الأهمية للابتكار والنمو الاقتصادي المستدام".
بشكل عام، تؤكد الدورتان الاقتصاديتان لعام 2025 التزام الصين الراسخ بالابتكار التكنولوجي والاعتماد على الذات، فمن خلال سياسات قوية واستثمارات ضخمة والتركيز على التقنيات الخضراء والمستدامة، تستعد الصين لقيادة العالم إلى عصر تكنولوجي عالمي جديد.
إن هذا التوجه الدؤوب نحو الابتكار، المدعوم بالتطورات المتطورة في الذكاء الاصطناعي والحوسبة، لا يُحدث تحولًا في اقتصاد الصين فحسب، بل يُعيد تشكيل المشهد التكنولوجي العالمي، مُمثلًا لحظة حاسمة ستُحدد مسار الابتكار العالمي والهيمنة الاقتصادية في المستقبل.
0 تعليق