النقار - خاص
بدأت سلطة صنعاء تتجه نحو إخضاع القضاء لتعيد هيكلته وفق رؤيتها وبما يتوافق مع توجهاتها الرامية لجعل السلطة القضائية تحت هيمنة السلطة التنفيذية للجماعة.
وتحت عناوين تنظيف كشف الراتب وترشيد الإنفاق ومكافحة التضخم، بدأت الجماعة تفرز موظفي السلطة القضائية إلى مجموعات موزعة بين قضاة عاملين وإداريين ومرضى ومتوفين ومتقاعدين وغير عاملين، ومثلهم الموظفون العاملون في النيابات والمحاكم بدرجاتها المختلفة.
ورغم أن قانون الآلية الاستثنائية لدعم فاتورة المرتبات حدد السلطة القضائية ضمن الفئة “أ”، والتي يُصرف لها راتب كامل شهريًا، إلا أن توجه السلطة التنفيذية للجماعة، وتحت مبرر ترشيد الإنفاق، بدأ بفرز موظفي هذه السلطة إلى فئات.
وأفاد “النقار” مصدران قضائيان أن لجانًا من الخدمة المدنية تعمل منذ حوالي شهر في مختلف مرافق السلطة القضائية لفرز الكادر الوظيفي. وبيَّن أحد المصدرين أنه لن يُصرف راتب كامل شهريًا إلا للعاملين في الميدان فقط، فيما أفاد المصدر الآخر أن هناك موظفين في السلطة القضائية تم تجميعهم في كشف خاص لإرسالهم إلى الخدمة المدنية لإعادتهم توزيعهم.
يصف القاضي عرفات جعفر ما يجري حاليًا بـ”التمييز الفئوي” في صرف الراتب حسب الآلية الاستثنائية، معتبرًا أن تقسيم وفرز القضاة إلى ثلاث فئات (أ، ب، ج) وفصل القضاة المتقاعدين والمتوفين والمرضى وغيرهم من كشوفات مرتبات أعضاء السلطة القضائية وإلحاقهم بالخدمة المدنية والهيئة العامة للتأمينات والمعاشات، أسوة ببقية موظفي الدولة، هو دق آخر مسمار في نعش السلطة القضائية.
وحصل “النقار” على معلومات من مصادر متعددة تفيد بأن قرابة “300” من موظفي السلطة القضائية سيتم إرسالهم إلى الخدمة المدنية لإعادة توزيعهم، فيما يجري نقاش بين المالية والخدمة المدنية من جهة، ومجلس القضاء الأعلى من جهة أخرى، حول مرتبات القضاة، حيث تصر المالية على أن صرف راتب كامل لن يتم إلا للعاملين في المحاكم والنيابات، فيما باقي القضاة سيتم توزيعهم إلى فئتين، إحداهما تحصل على نصف راتب شهريًا، وأخرى على نصف راتب كل ثلاثة أشهر.
ووفقًا لهذه المعلومات، تؤكد الخدمة المدنية نقل القضاة المتقاعدين ومن بلغ سن التقاعد من القضاة الحاليين من كشوفات السلطة القضائية إلى كشوفات التقاعد التابعة للهيئة العامة للتأمينات والمعاشات، فيما موقف مجلس القضاء الأعلى ما يزال غامضًا، مشيرة إلى أن نقاشات تدور وسط حالة تكتم بين المجلس والمالية والخدمة المدنية، حتى لا يؤدي ذلك إلى استثارة القضاة.
وأفاد “النقار” مصدر مطلع أن كشوفات المرتبات القادمة ستفاجئ القضاة بما لا يتوقعون، خاصة القضاة الإداريين، وغير الموزعين، والمرضى، لافتًا إلى أن إشكاليات عديدة ما تزال قائمة أمام اللجنة المشتركة المكونة من المالية والخدمة المدنية والقضاء في الوصول إلى كشف موحد لمرتبات القضاة.
يقول القاضي معين قناف: إذا كان مجلس القضاء الأعلى راضيًا بفصل مرتبات المتقاعدين والوفيات والمرضى… إلخ من كشوفات مرتبات أعضاء السلطة القضائية، وإخضاعها للاستقطاع وقوانين ولوائح الخدمة المدنية، ومن ثم التأمينات والمعاشات، فهذه كارثة فعلًا. ويؤكد القاضي معين أن السلطة القضائية مستقلة ماليًا وإداريًا، ولا يحق للمالية حجز مستحقات القضاة أو تأخيرها بأي وجه.
وأفاد “النقار” قاضٍ رفض الكشف عن هويته أن ما يجري في السلطة القضائية هو توجه يهدف لإخضاعها لسيطرة الجماعة بدرجة رئيسية، وأن ما يسمى بتنظيف كشف الراتب والقضاء على التضخم في القضاء هدفه التخلص من القضاة غير المرغوب فيهم، وإحلال بدلًا عنهم قضاة الجماعة، وعلى وجه الخصوص قضاة الصلح، وقضاة تحضير الدعاوى.
وأفاد “النقار” مصادر مطلعة أن هناك توجهًا لإحلال المئات من عناصر الجماعة على حساب الموظفين القدامى في ديوان وزارة العدل والمحكمة العليا ومكتب النائب العام ومجلس القضاء الأعلى، كاشفة أن أكثر من 150 موظفًا في هذه المرافق تم وضعهم في كشف خاص بالتقاعد، باعتبارهم بلغوا أحد الأجلين، تمهيدًا لإحالتهم للتقاعد.
ويبدو أن سلطة الجماعة بدأت بالخطوة الثانية لإخضاع السلطة القضائية، بعد إصدار تعديل قانون السلطة القضائية، حيث تفيد مصادر مصرفية أنه لم يعد للسلطة القضائية حساب واحد في البنك المركزي باعتبارها سلطة مستقلة، وإنما أصبح لكل هيئة قضائية حساب مستقل خاضع لإشراف وزارة المالية، ما سيجعل السلطة القضائية تابعة للسلطة التنفيذية، وهو ما يعد إخلالًا بالمبدأ الدستوري القائم على فصل السلطات، وهو ما يؤكد أن سلطة الجماعة تتجه نحو حكم استبدادي تمسك به سلطة واحدة.