أكدت خبيرات ومتخصصات في التربية والتعليم أن الإبداع لم يعد ترفاً، بل أصبح حقاً أساسياً يجب أن تضمنه الأنظمة التعليمية لكل طفل، مشيرات إلى أن الأساليب التقليدية القائمة على الحفظ والتلقين تعيق تنمية قدرات الطلاب الإبداعية، مما يستدعي إعادة بناء الأنظمة التعليمية بما يتماشى مع متطلبات المستقبل، خاصة مع التحولات الكبرى التي فرضها الذكاء الاصطناعي.

جاء ذلك خلال جلسة حوارية بعنوان «الأنظمة التعليمية وتنمية إبداع الطلاب»، نُظمت ضمن فعاليات مهرجان الشارقة القرائي للطفل، وتحدثت خلالها ديمة العلمي، المستشارة التعليمية ومؤلفة كتب الأطفال، والكاتبة الإماراتية المختصة بقضايا الأسرة والطفل مريم الشرف، وسيهريش فاروق، خبيرة برامج التعليم والتوعية.

استهلت الندوة ديمة العلمي بطرح تساؤلات جوهرية حول قدرة الأنظمة المدرسية على مواكبة هذا التغير الجارف على كل المستويات، مشيرة إلى أن التعليم يُعد من أبطأ الصناعات تطوراً في العالم، إذ لا يزال شكل المدرسة والفصل وطريقة حضور المعلم أمام الطلاب يكرّر أنماطاً قديمة وضعتها الثورة الصناعية الأولى لخدمة الاقتصاد، دون أن تتبنى نفس المرونة التي أظهرتها مجالات أخرى كالتكنولوجيا أو الطب. ورأت أنه مع ظهور الذكاء الاصطناعي، بات التعليم يقف عند مفترق طرق مصيري، وأوضحت قائلة: «المعلمون يدركون اليوم أن الطالب قادر على كتابة نص أو إجابة أو حتى إنشاء محتوى كامل بوتيرة أسرع بكثير بفضل الذكاء الاصطناعي، مما يفرض على المؤسسات التعليمية أن تعيد النظر جذرياً في بنيتها وأساليبها».

ضرورة الحوار

من جانبها، أكدت مريم الشرف أن بناء ثقافة الطفل يبدأ أولاً من أسرته، باعتبارها المؤسسة الأولى والأعمق تأثيراً في تشكيل وعيه وتعليمه. وأوضحت أن مسؤولية المؤسسات التعليمية والاجتماعية كبيرة، لكنها تأتي لاحقة للدور الجوهري الذي تؤديه الأسرة في السنوات التأسيسية من عمر الطفل. وقالت مريم الشرف: «يمكن للأم أن تملأ مكتبة الطفل بالكتب الضرورية، لكن السؤال الأهم: هل تتحاور معه حول ما يقرأ؟ هل تشاركه التفكير أم تكتفي بتوفير الوسيلة دون التفاعل الحقيقي معها؟».

ونبّهت إلى أن القراءة لا تترسخ بالكمّ وإنما بالحوار والنقاش والقدوة اليومية التي تقدمها الأسرة، معتبرة أن البيت هو أول مدرسة يتعلم فيها الطفل كيف ينظر إلى المعرفة. وشددت على أن دور المدرسة مكمل لا بديل عنه.

عائق

من جانبها، تطرقت سيهريش فاروق للحديث حول الإبداع، مؤكدةً أنه في هذا العصر لم يعد ترفاً يمكن الاستغناء عنه، بل أصبح حقاً أساسياً لكل طفل يجب أن يكفله النظام التعليمي. وقالت: «الإبداع يجب ألا يكون امتيازاً يُمنح للبعض دون الآخرين، بل هو حق أصيل لجميع الأطفال، بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية أو الاقتصادية».

كذلك أشارت إلى أن الامتحانات الموحدة تُعد من أبرز العوائق في هذه الأنظمة التعليمية، قائلة: «التركيز المفرط على الحفظ والتلقين يحرم الطلاب من فرصة التفكير خارج الصندوق، ويقيد نموهم الإبداعي». و لفتت النظر إلى أن المعلمين في هذه المدارس غالباً ما يفتقرون إلى التدريب والدعم الكافي من المؤسسات الرسمية، مما يحد من قدرتهم على خلق بيئة تعليمية محفزة.