أكد عدد من خبراء النفط أن الضغوط الأساسية على أسعار النفط الحالية ناتجة عن محاذير نفسية مرتبطة بالتقلبات السياسية أكثر منها عوامل اقتصادية حقيقية، مبينين أن التعداد السكاني العالمي في تزايد مستمر، مع ما يصاحبه من زيادة الحاجة إلى الطاقة التي لاتزال تعتمد بنسبة 88% على الوقود الأحفوري. وذكروا، في تحقيق أجرته «الجريدة»، أنه في ظل هذا النمو السكاني العالمي، والتنافس الصناعي المتسارع، تظل الطاقة المتجددة عاجزة عن مجاراة الطلب المتزايد عليها، مما يجعل تنامي سعر برميل النفط أمراً مضموناً على المديين المتوسط والبعيد. وأضافوا أنه على صعيد الحسابات تشير المؤشرات التحوطية إلى تشاؤم بفارق 4-8 دولارات، مقارنة بالمعدلات قبل عامين، ورغم بقاء معدلات شراء العقود الآجلة طبيعية، تظهر فترات بيع مكثف، لافتين إلى أن سعر برميل النفط سيدور حول مستوى 70 دولاراً خلال الفترة المقبلة. ورأوا أنه من غير المرجح أن يؤدي عدم التزام كازاخستان بالحصص الإنتاجية إلى تفكك تحالف «أوبك بلس»، لكن ذلك قد يزيد التوترات الداخلية، موضحين أن التحالف واجه تاريخياً تحديات مماثلة من دول مثل العراق ونيجيريا، لكنه حافظ على تماسكه عبر التفاوض ومراعاة الظروف الاقتصادية للدول الأعضاء. وقالوا إن كازاخستان، التي تعتمد على عائدات النفط لتمويل موازنتها، قد تضغط لزيادة إنتاجها لتعويض خسائرها، لكن هذا لا يعني بالضرورة انهيار التحالف، بل قد يؤدي إلى إعادة تقييم الحصص لتحقيق توازن بين مصالح الأعضاء... وإلى التفاصيل.
بداية قال الخبير والاستشاري النفطي د. عبد السميع بهبهاني أن الخفض الطوعي المتفق عليه من قبل تحالف أوبك هو في معدل 9.5%، لجميع دول الأعضاء والتحالف، عدا المنتجين الكبيرين السعودية وروسيا اللتين تجاوزتا الخفض الطوعي لهما عن 15%، واستثني من الخفض الطوعي دول متضررة سياسيا كإيران وليبيا وفنزويلا.
بهبهاني: رغم عدم التزام كازاخستان فإن تحالف «أوبك» متماسك في قراره
وأضاف بهبهاني أن المعدل العام لإنتاج «أوبك» قل عن القدرة الإنتاجية بحوالي 25% نتيجة التخفيضات الطوعية، منذ 2022، فإنتاج كازاخستان من ثلاثة حقول أساسية، ذات فعالية، يشكل 40% من ميزانيتها الحساسة بشكل كبير لسعر البرميل ومشتقاته.
شركات أميركية
وقال ان الشركات المشغلة لحقول كازاخستان الأساسية هي شركات أميركية، وقد عانت كازاخستان منذ فترة في جذب المستثمرين في قطاع الاستكشاف والتطوير، بسبب صعوبة الحقول وعملية الإنتاج.
وأشار إلى أن حصة كازاخستان 1.47 مليون برميل يوميا، خفض من ذروتها الإنتاجية 1.63 مليون برميل يوميا، وهذا يشكل 9.5% من قدرتها الفعلية، بينما التزمت بـ 5.6% فقط، وهي نفس الكمية التي التزم بها العراق ايضا، وهو أقل مما التزمت به الدول الأخرى، الأمر الذي أثار عدم رضا من قبل تحالف أوبك بحجج تعقيدات حقولها الأساسية، وقد تكون لتعقيدات تعاقدية مع الشركات الأميركية المشغلة!التعداد السكاني العالمي في تزايد مستمر مع ما يصاحبه من زيادة الحاجة إلى الطاقة التي لاتزال تعتمد بنسبة 88% على الوقود الأحفوري
وأشار بهبهاني إلى أن قرار الخفض لتحالف «أوبك» أنصف الجميع، حيث إن المنتجتين الأساسيتين، السعودية وروسيا، بادرتا بخفض إنتاجها أكثر من 20 في المئة من القدرة الإنتاجية.
ورأى أنه على الرغم من عدم التزام كازاخستان، (والعراق بهذه القدر) فإن تحالف «أوبك» متماسك في قراره وفي نفس الوقت اعتقادي بأن كازاخستان ستعاني أكثر من قرارات قادمة، ليس من صالحها.كازاخستان التي تعتمد على عائدات النفط لتمويل موازنتها قد تضغط لزيادة إنتاجها لتعويض خسائرها
ونوه إلى أن قرار زيادة إنتاج تحالف «أوبك» قد يشكل تحدياً دقيقاً لميزانيات دول الخليج ولدول التحالف عموماً، خصوصا في ظل معطيات اقتصادية عالمية متقلبة، موضحا أن من أهم العوامل التي يجب أخذها بالاعتبار عند تقدير هذا الضرر هو الخشية من الركود الاقتصادي العالمي، والذي يؤدي إلى تراجع الطلب على النفط، ومن ثم انخفاض سعر البرميل بشكل ملحوظ، قائلا إضافةً إلى ذلك، فإن التخزين للنفط الرخيص نتيجة هبوط الأسعار قد يؤدي إلى خلق فائض كبير في الأسواق، مما يُخرجها عن توازن العرض والطلب، ويزيد من الضغط على الأسعار.
وأعرب بهبهاني عن اعتقاده أن تأثير هذه الزيادة في الإنتاج سيكون ملموساً على المدى القريب فقط، ولا يتعدى سنة 2025، مشيرا إلى أنه خلال هذه الفترة، قد تواجه ميزانيات دول التحالف التي تعتمد بشكل رئيسي على العائدات النفطية بعض التحديات، بما في ذلك احتمالية حدوث عجز في تغطية كُلف التشغيل، وتأثر تمويل مشاريع البنية التحتية الكبرى، بالإضافة إلى إبطاء خطط الاستكشاف والتطوير، منوها إلى انه مع ذلك لا يخلو هذا الوضع من جوانب إيجابية للدول ذات الإنتاج النفطي الكبير داخل تحالف «أوبك».
ولفت إلى أن هذه الظروف قد توفر فرصة للاستثمار الاستراتيجي من خلال الاستحواذ على أصول شركات نفطية متأزمة والدخول إلى أسواق جديدة عقب انسحاب المنافسين المتضرري، مشيرا إلى أن استمرار تماسك تحالف أوبك في مثل هذه الظروف يمنحه قدرة أقوى على التحكم بتوازن السوق مستقبلاً، الأمر الذي يعزز استقراره ويدعم مصالح أعضائه على المدى البعيد.
إزالة العثرات
وأعرب بهبهاني عن أمله أن يقوم تحالف أوبك باستغلال الفرصة لإزالة بعض العثرات التي تظهر بين فترة وأخرى كقوانين مؤتمرات البيئة المتملقة غير المنطقية وتهديدات قوانين الاحتكار وغيرها (JASTA، NOPEC).
وقال إنه رغم التذبذب الذي تشهده أسعار النفط مؤخرا، إلا أن هذا التذبذب لا يُعدّ مرضًا، بل يمثل فرصة لصالح تحالف أوبك، خصوصا دول الخليج، فقد نجحت أغلب دول التحالف في تجاوز مرحلة الاعتماد الكامل على بيع النفط الخام، مستفيدة من تنوع أنشطتها النفطية، فالمصافي الخليجية، على سبيل المثال، تنتفع من التذبذب السعري من خلال تعزيز هوامشها الربحية، مما يزيد من تنافسيتها مقارنة بمصافي أوروبا الخاملة وكذلك، فإن مشاريع البتروكيماويات لدول أوبك قد توسعت ورفعت حصتها في الأسواق العالمية، مستفيدة من انخفاض أسعار الخام لتعزيز قدرتها التنافسية.
واضاف: أصبح حساب الهامش الربحي للمنتج النفطي أكثر تعقيداً من مجرد معادلة سعر البرميل مقابل سعر التعادل في موازناتها السنوية، لافتا إلى أن الضغوط الأساسية على أسعار النفط الحالية ناتجة عن محاذير نفسية مرتبطة بالتقلبات السياسية أكثر من كونها عوامل اقتصادية حقيقية، حيث إن التعداد السكاني العالمي في تزايد مستمر، مصحوبا بزيادة الحاجة إلى الطاقة التي لا تزال تعتمد بنسبة 88% على الطاقة الأحفورية، مشيرا إلى انه في ظل هذا النمو السكاني العالمي والتنافس الصناعي المتسارع، تظل الطاقة المتجددة عاجزة عن مجاراة الطلب المتزايد على الطاقة، مما يجعل تنامي سعر برميل النفط أمراً مضموناً على المديين المتوسط والبعيد، موضحا أنه على صعيد الحسابات تشير المؤشرات التحوطية إلى تشاؤم بفارق 4-8 دولارات مقارنة بالمعدلات قبل عامين، ورغم بقاء معدلات شراء العقود الآجلة طبيعية، تظهر فترات بيع مكثف، معربا عن رأيه أن سعر برميل النفط سيدور حول مستوى 70 دولاراً خلال الفترة المقبلة.
تفكك التحالف
من جهته، قال رئيس مجلس إدارة مجموعة الشموخ لخدمات النفط بالإمارات د. علي العامري، إنه من غير المرجح أن يؤدي عدم التزام كازاخستان بالحصص الإنتاجية إلى تفكك تحالف «أوبك بلس»، لكنه قد يزيد التوترات الداخلية، لافتاً إلى أنه تاريخياً واجه التحالف تحديات مماثلة من دول مثل العراق ونيجيريا، لكنه حافظ على تماسكه عبر التفاوض ومراعاة الظروف الاقتصادية للدول الأعضاء.
العامري: الأسعار بين 60 و75 دولاراً للبرميل مع احتمالية ارتفاعها 5% بشرط تعافي الاقتصاد الصيني
وأضاف أن كازاخستان، التي تعتمد على عائدات النفط لتمويل موازنتها، قد تضغط لزيادة إنتاجها لتعويض خسائرها، لكن هذا لا يعني بالضرورة انهيار التحالف، بل قد يؤدي إلى إعادة تقييم الحصص لتحقيق توازن بين مصالح الأعضاء.
ونوه إلى أن زيادة الإنتاج وسط انخفاض الأسعار تشكل تحدياً على بعض دول الخليج، التي تعتمد على النفط في تمويل 70-90% من إيراداتها، ضارباً المثل ببعض الدول، إذ أشار إلى احتياج السعودية لسعر برميل بين 70-80 دولاراً لتحقيق توازن موازنتها للعام الحالي، بينما السعر الحالي يتأرجح حول 65 دولاراً، موضحاً أنه إذا استمرت الأسعار منخفضة، قد تضطر هذه الدول إلى السحب من احتياطياتها أو زيادة الديون، مما يهدد خطط التنمية بتلك الدول.
وأشار العامري إلى أن العراق من أكثر الدول التي تتجاوز حصصها بانتظام، حيث زاد إنتاجه إلى 4.5 ملايين برميل يومياً مقابل حصة 4.43 ملايين، مبيناً أن هذا التجاوز يُضعف مصداقية التحالف ويُقلل من فعاليته في التحكم بالأسعار، مؤكداً أنه إذا استمر العراق في ذلك، فقد تشعر دول أخرى بعدم العدالة، مما يدفعها إلى زيادة إنتاجها، بالتالي تخفيض الأسعار العالمية وإضعاف تأثير «أوبك بلس».
تباطؤ النمو
وقال إن الانخفاض الحالي في الأسعار (حول 60-75 دولاراً للبرميل) يعكس عوامل مثل تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، وخصوصاً في الصين والولايات المتحدة، كذلك زيادة الإنتاج الأميركي إلى 12.8 مليون برميل يومياً وخصوصاً بعد انتخاب ترامب وسياساته نحو النفط الصخري. وأيضاً التخوفات الجيوسياسية مثل الحرب الأوكرانية وتداعياتها على الإمدادات.
وتوقع العامري استمرار التذبذب بين 60-75 دولاراً للبرميل بسبب عدم استقرار الطلب مع احتمالية ارتفاع الأسعار بحوالي 5% إذا تعافى الاقتصاد الصيني وزادت حدة التوترات في الشرق الأوسط، قائلاً إنه إذا زادت الدول الإنتاج وتوقفت الحرب بين روسيا وأوكرانيا فسوف تستمر الأسعار كما هي في هذا الحدود.
واختتم العامري بالقول إنه رغم أن تحالف «أوبك بلس» يواجه تحديات متزايدة بسبب اختلاف أولويات الأعضاء، لكنه يبقى ضرورياً لاستقرار السوق، مبيناً أن زيادة الإنتاج قد تؤدي إلى خفض الأسعار قصير المدى، لكنها تُهدد استدامة اقتصادات الدول المنتجة لكن التعاون ومراعاة الظروف الفردية للدول سيكون مفتاحاً لبقاء التحالف فعالاً، وبذلك سوف تكون الأسعار مستقرة.
توزيع الزيادة
بدوره، قال الخبير النفطي د. خالد بودي، إن زيادة الإنتاج من «أوبك بلس» من المتوقع أن تتسبب في تراجع الأسعار ما لم تكن هذه الزيادة موزعة على فترات زمنية تسمح للسوق بامتصاص هذه الزيادة دون تأثير يذكر على الأسعار، مبيناً أنه فيما يتعلق بالخلاف بين كازاخستان و«أوبك بلس» فليس من المتوقع أن يكون له تأثير على أسعار النفط أوعلى تفكك «أوبك بلس» فدولة واحد لا تؤثر على الأسواق أوعلى تماسك التحالف.
بودي: تأثير زيادة الإنتاج على موازنات دول «أوبك» يعتمد على حجم هذه الزيادة وأوضاع السوق
وفيما يتعلق بتأثير رفع الإنتاج على موازنات دول أوبك، قال إنه ليس كل زيادة في الإنتاج تؤدي إلى هبوط الأسعار، فذلك يعتمد على حجم هذه الزيادة وأوضاع السوق، وأحيانا تكون زيادة الإنتاج في مصلحة الدول المنتجة إذا كان الطلب على النفط في ارتفاع، وبالتالي تزداد إيرادات الدول المصدرة للنفط نتيجة زيادة المبيعات وارتفاع الأسعار.
وأوضح بودى أنه بالنسبة للضرر الناتج عن عدم التزام أي دولة ضمن «أوبك» بحصتها الإنتاجية، سواء العراق أو غيره، فهذا يرتبط بحجم إنتاج الدولة أو الدول غير الملتزمة بالحصة الإنتاجية، فكلما كانت الدولة من كبرى الدول المنتجة كان تأثير عدم التزامها بحصتها الإنتاحية أكبر على التحالف والعكس صحيح، معتبراً أن تراجع الأسعار في الوقت الحالي غير مقلق وقد يكون مؤقتا، حيث إن الطلب على النفط في ارتفاع، مما يعني ارتفاعاً موازياً في الأسعار على المدى الطويل.
وتيرة الإنتاج
من جهته، قال الخبير والمحلل النفطي كامل الحرمي إن رغبة «أوبك بلس» في تسريع وتيرة الإنتاج النفطي من قبل دول التحالف يعد أمرا غير مفهوم، كون السوق العالمي متخما، وسعر البرميل مازال يئن تحت وطأة سعر 66 دولارا.
الحرمي: سعر البرميل دون 90 دولاراً غير مناسب لتغطية ميزانيات دول عدة وعلى رأسها دول الخليج
وأضاف الحرمي أن السبب الوحيد المقبول في هذا الإطار هو أن تكون هناك اسباب تحوطية للحفاظ عل حصص دول اوبك بلس في الأسواق العالمية والابقاء عليها في سوق مختلط يشوبه التذبذب، كونها لا تستطيع خفض المزيد من انتاجها دون استفادة، لافتا الى ان المزيد من خفض انتاج اوبك بلس قد يعطي بعض الدول من خارج التحالف الدافع الى زيادة الإنتاج والدخول الى اسواق شرق آسيا.
وأشار الى ان عدم التزام كازاخستان والعراق بحصص الإنتاج داخل التحالف، ربما تكون وراءه أسباب معينة خاصة بهما، متسائلاً: إلى متى يستطيع منتجو التحالف مواصلة انتاجهم مع أسعار دون الـ 70 دولارا، كون العائد حاليا لا يعطي قيمة إضافية ومردوداً مقبولاً لدى تلك الدول داخل التحالف؟!
ولفت إلى أن زيادة إنتاج التحالف ربما تكون في إطار إيجاد قنوات لتدفقات نقدية تعين على تحمل أعباء الميزانيات العامة لدولهم.
وأعرب عن اعتقاده بأن سعر برميل النفط حاليا عند 70 دولارا للبرميل يعد في مرحلة انتقالية، حتى يحدث توافق بين القوتين الاقتصاديتين الولايات المتحدة والصين، موضحا أنه من الصعوبة توقع نطاق سعري معين، وأن سعر البرميل ما دون 90 دولارا قد يكون غير مناسب لتغطية ميزانيات دول عدة وعلى رأسها دول الخليج.
0 تعليق