اليمن - شعب وجلاد

شبكة النقار 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

 

 

فتحي بن لزرق

 

 

بين كل ثلاثة أو أربعة أشهر، ينبعث من بين ركام المشهد السياسي وجه جديد أو قديم، سياسي عائد من غيابه، يحمل على كاهله قافلةً من الأوهام. يخطب في الناس بشعارات من نار، ويغريهم بمشاريع سرابية، وينثر على رؤوسهم وعودًا معادة كعملة بالية فقدت قيمتها.

ثم، كطيف عابر، يختفي ذلك السياسي خلف البحار، حيث ترقد أسرته في نعيم المهجر، يرفل في رغد العيش والطمأنينة، ويترك خلفه هذا القطيع الغارق في مستنقع الخيبة والهوان، يلوك أحلامه الميتة وينتشي بكذبه المكشوف.

وبعد زمن قصير، يظهر سياسي آخر، يعيد تدوير ذات السراب، بشعارات جديدة لوجوه قديمة: استعادة الدولة، استعادة الجنوب، قادمون يا صنعاء، قادمون يا عدن، قادمون يا وهم!

وبين هذا الشعار وذاك، يعرض الساسة تجارتهم الرخيصة على سوق الغفلة، ليجدوا دوما زبائن مخلصين: شعب يهتف بحناجره المبحوحة لجلاديه، ويصفق بحرارة لمن يسحقه، دون وعي أو خجل أو استفاقة.

عند هذه المحطة المفجعة، وصلت إلى يقين لا يزحزحه شك:

المشكلة لم تكن يوماً في السياسيين، ولا في الفاسدين، ولا في الطغاة...

المشكلة، كل المشكلة، كانت ولا تزال في جموع الشعب التائهة، الشعب الذي رضي أن يلعق أحذية جلاديه، من أقصى صنعاء إلى أدنى عدن، ومن تخوم مأرب إلى سهول حضرموت، ومن أعماق الشرق إلى تخوم الغرب، ومن سفوح الشمال إلى صخور الجنوب.

مشكلتنا في اليمن، ليست قلة الزاد ولا شح الإمكانيات، بل في طبع شعب أدمن الهوان، واستأنس الذل، ودافع بشراسة عن من يكبل يديه ويكسر عنقه.

إن لم يكن الشعب كله، فجزء عظيم منه، يطيل عمر الطغيان، ويغذي الفساد، ويؤجل ساعة الخلاص.

نعم... الشعب هو بيت الداء ورأس البلاء.

أخبار ذات صلة

0 تعليق