الزيارات.. عفوية تفسدها المبالغات والتبذير

صحيفة الخليج 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

الشارقة: هدى النقبي
كانت الزيارات العائلية بين الجيران والأقارب في الماضي تتسم ببساطة وعفوية، حيث يطرق الضيف الباب بلا موعد مسبق، وغالباً بلا هدايا أو بتقديم شيء بسيط كنوع من التقدير ويُستقبل بحفاوة دون تكلف. لم تكن هناك بروتوكولات معقدة أو هدايا فاخرة، بل كانت القهوة والحديث الودي كافيين لإضفاء الدفء على اللقاء.. أما اليوم، فتغيرت العادات وأصبحت الزيارات تتطلب تنسيقاً مسبقاً، وهدايا مكلفة، ما أدى إلى تراجعها بشكل ملحوظ، فهل أصبحت هذه التغييرات ضرورية لمواكبة العصر، أم أنها تسببت في تباعد الناس؟
في السابق.. كانت الزيارة العائلية تعبيراً بسيطاً عن المحبة والتواصل الاجتماعي، حيث كان يكفي أن يمر أحد الجيران بالقرب من منزل قريبه أو صديقه ليقرر زيارته فجأة. لم يكن الأمر يحتاج إلى اتصال مسبق أو تخطيط، وكان الناس يتقبلون هذه العفوية بترحيب وسرور.
اليوم.. ومع تطور أنماط الحياة، أصبحت الزيارات تخضع لقواعد غير مكتوبة، إذ بات من الضروري تحديد موعد مسبق، والتأكد من عدم إزعاج المضيف في وقت غير مناسب، كما أصبح من المعتاد أن يحمل الزائر معه هدية، والتي قد تتراوح بين الورود الفاخرة والمبالغ المالية، وهو ما يشكّل عبئاً نفسياً ومادياً على البعض.
تقول أم خالد النقبي: «في الماضي كنا نتزاور مع الجيران عند سماعنا في أحد مريض نذهب ونطمن عليه ونطرق الباب وندخل دون أن نأخذ موعداً أو نتكلف في حمل هدية وكانت حياتنا عفوية وبسيطة».
تضيف خديجة سالم، 30 عاماً: «أرى أن الأمر طبيعي نظراً لانشغال الناس بحياتهم، الأمور تغيرت، وأصبح لكل شخص التزاماته وانشغالاته العائلية وجدوله المزدحم، لذا من المنطقي أن تكون الزيارات أكثر تنظيماً. أما الهدايا، فهي مجرد تعبير عن التقدير، ولا أرى أنها عائق».
ترى نورة أم دانة أن المجاملات والمبالغات في المناسبات الاجتماعية أصبحت تفوق الوصف والتبذير والبهرجة، بات الناس يتنافسون في تقديم هدايا مناسباتهم حتى لو كانت فوق طاقتهم وميزانيتهم مما يؤدي إلى العجز المالي وقروض بنكية، عند تخرج ابنتي في الثانوية، كان من اللازم أن أجاري تلك البهرجة التي حصلت في بيوت صديقات ابنتي وإلا ستشعر ابنتي بالنقص وسأصبح مقصرة في حقها فأعددت ميزانيه سنة في أسبوع ضيافة وهدايا وديكور عزائم وولائم مما أثقل عاتقي.
ولا شك أن التحولات الاقتصادية والاجتماعية لعبت دوراً في تغيير مفهوم الزيارة، مع ارتفاع تكاليف المعيشة، أصبح البعض يشعر بالحرج من الزيارة دون تقديم هدية، بينما يخشى آخرون من استقبال الضيوف دون تقديم ضيافة لائقة.

التجهيزات مكلفة


تقول فاطمة أم أحمد: التجهيز لاستقبال مولودي أصبح مكلفاً نوعاً ما، خاصة إذا دخلت فيه الجوانب الاستهلاكية والاجتماعية (مثل التوزيعات، الزينة، الضيافة من البوفيه والاستقبال فكثير من الأمهات أو العائلات يشعرون بضغط لتجهيز «استقبال فخم» أو شراء كل شيء جديد وراقٍ، وهذا يرفع التكاليف، البعض يشعر بأنه لا بد من أن يقدم توزيعات مميزة أو ديكوراً خاصاً، رغم أنها ليست ضرورية من الناحية العملية.
وأضافت لطيفة أم سالم: «في مولودي الأول لم أكن مهتمة بالتجهيزات والاستقبال، ففي السابق كانت التجهيزات تقتصر على أساسيات المولود الخاصة والزيارات تقتصر على تقديم الشاي والقهوة وفوالة بسيطة من المنزل أما الآن أصبح من الضروري أن أجهز ميزانية مناسبة لتأجير ديكور لاحتفالات استقبال المولود والتعاون مع التاجرات في اختيار الهدايا المتنوعة والطلبيات لأنواع الحلويات والموالح ويعتبر هذا مكلفاً على الوالدين».

تباهٍ وسباق


تقول منى النقبي: كانت الزيارات بالسابق خفيفة وطيبة وقريبة للقلب حيث إن أثرها بالقلب أقرب من المادة إلا أنه في وقتنا الحالي أصبحت الاستقبالات والزيارات مظاهر وتباهياً وسباقاً في أغلى هدية توزع وأجمل استقبال حتى لو كان مكلفاً للشخص ولو كانت المناسبة عادية وصرنا نحتار أو نخجل من هديتنا لهم لو كانت مُكلفة نأخذها، لذلك قام الناس بوضع أعذار عن الزيارة ووضع الحجج لعدم الذهاب وذلك لظروفهم أو حرجهم من هذه المواقف، وإلى الآن أرى بعض العوائل لا تهتم لهذه المظاهر تستقبلك قلوبهم وهي مبتهجة في زيارتك وتود أن تكون لديهم مناسبات دائما لتقوم بالواجب معهم فهذه القلوب الرحبة يجب أن تستمر ولا تنقطع. حيث أصبح في الوقت الراهن أن المناسبات بأنواعها من حفلة تحديد جنس المولود، استقبال لمولود جديد، الترقية لمنصب (الترفيع)، المنزل الجديد، التخرج، زيارة مريض، فيتطلب على البعض مواكبة الآخرين وتقليدهم وعمل الأفضل منهم لكي لا يتكرر.
الهدف الحقيقي من الزيارات بين الأهل والأصدقاء هو في قيمتها عند الناس لتترابط اجتماعياً وتتكاتف، لأن هذا يحدث فرقاً كبيراً وليس المعنى أن تكون في ترابطهم بوجود هدايا ثمينة وقيمة، فالزيارات الاجتماعية لا ينبغي أن ينظر إليها من زاوية تبادل الهدايا أو الالتزامات المادية بل يجب أن تفهم في إطارها الأعمق بوصفها وسيلة للتواصل الإنساني وتعزيز الروابط الاجتماعية.
فجوهر هذه الزيارات يكمن في تلبية حاجة الإنسان إلى التقارب والمساندة تأكيد قيم التآلف والترابط، لا في قيمة الهدية أو شكلها، ومن الخطأ اختزال الزيارة في مظهرها الخارجي لأن معناها الحقيقي يتجسد في الحضور والمشاركة الوجدانية، لا في ما يقدم خلالها من هدايا.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق