الكويت تعاكس «عدم اليقين العالمي»... بتعظيم مخاطر اقتصادها!

الجريدة الكويتية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

بينما ينشغل العالم في قراءة وتحليل تداعيات زلزال الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على جميع دول العالم بالحد الأدنى عند 10 في المئة وما ترتب عليها من انعكاسات دامية في أسعار السلع والأصول، لا سيما النفط وأسواق المال العالمية تمهيداً لمعالجتها أو على الأقل تخفيف آثارها، تبدو الكويت كأنها تمثل حالة معاكسة لمنطق التحوط وتطويق الآثار السلبية، إذ تتجه نحو تعظيم مخاطر اقتصادها في عدم اليقين «الترامبي».

ففي الوقت الذي يحبس اقتصاد العالم أنفاسه في متابعة تطورات الرسوم الجمركية لا سيما مع دخولها مرحلة التصاعد أو لنقل «عض الأصابع» بين أكبر اقتصادين متنافسين في العالم، الولايات المتحدة والصين، من خلال توالي رفع الرسوم التبادلية على بضائع البلدين فضلاً عن الحليف الأميركي لعقود طويلة، أي الاتحاد الأوروبي، تعرضت أسواق المال والسلع العالمية لهزة كبيرة وتحديداً على أسعار النفط والبورصات، وهي هزة مقاربة في تأثيرها لهزات تاريخية لا تنسى في أوساط المستثمرين كأزمة كورونا 2020 أو الاثنين الأسود «العجز التجاري الأميركي» عام 1987 أو فقاعة الدوت كوم عام 2000 وسط نقاش جاد في أوساط الاقتصاد العالمي حول مخاوف واحتمالات أن تفضي هذه الرسوم الجمركية وتصاعدها ودخولها مرحلة التبادلية إلى أزمة نظامية أعمق على غرار أزمة الرهون العقارية عام 2008 أو الكساد الكبير عام 1929 وهي أكبر أزمة اقتصادية موثقة في التاريخ.

الشراكة الاستراتيجية مع الصين مفهوم أعمق من أعمال المقاولة وتتطلب جهوداً دبلوماسية لجعل الكويت جزءاً من طرق التجارة الدولية

جزيرة معزولة

وفي المقابل، نجد الكويت كأنها في جزيرة معزولة عن أي تطورات أو تحولات عالمية بل انها تتخذ سياسات تعاكس منطق عدم اليقين العالمي بكل ما يترتب عليه من انخفاض لافت للمصدر شبه الوحيد في تمويل ماليتها العامة، أي النفط، إلى جانب التراجع الحاد في مدخراتها أي أصول الصندوق السيادي في البورصات العالمية، فقد أقرت خلال أسابيع قليلة مجموعة من القوانين والقرارات التي تنتمي إلى أخطاء زمن الفوائض المليارية لكنها في زمن الحرب التجارية فهي أكثر خطورة من مجرد الخطأ.

فمن اعتماد ميزانية عامة منفلتة في مصروفاتها ومنحرفة عن احتياجات التنمية، لا سيما إصلاح سوق العمل أو تنويع الإيرادات ومنفصلة عن تحولات العالم تجاه أسعار النفط المنخفضة بل انها لا تعكس حتى إجراءات الترشيد كإلغاء تأمين «عافية» مما يقلل ثقة المجتمع بأي سياسة ترشيدية أخرى، إلى إقرار قانون للدين العام تركز أغراضه حسب نص القانون على سداد المصروفات الجارية لا التنموية، أي إنفاق أموال الاستدانة على بنود غالباً لا عائد اقتصادياً أو تنموياً لها، كالرواتب والدعوم والمناقصات، لا على مشاريع وخطط تخدم التنوع الاقتصادي أو تصلح اختلالاته وصولاً إلى عجز حكومي مؤسف عن إصدار خطة أو برنامج عمل حكومي رغم تأخره 11 شهراً، هو عمر الحكومة الحالية، في وقت يسارع فيه العالم إلى وضع التصورات والخطط والسياسات لتلافي تداعيات الرسوم الجمركية.

حديث وزير التجارة الأميركي قد يكون جرس إنذار لضغوط متوقعة لقرارات استثمارية وصفقات لا تتسم بالأولوية أو العدالة أو المصلحة

تقويض وضبابية

بل ان القرارات الوزارية والإدارية تساهم أيضاً في رفع مستويات المخاطر الاقتصادية في البلاد فبعد أشهر من منع مجلس الوزراء نشر تقارير ديوان المحاسبة في موقعه الإلكتروني لتكون متاحة للعامة أزالت وزارة المالية الأسبوع الماضي بيان ميزانية الكويت 2025-2026 رغم صدورها بقانون ومباشرة تنفيذها رسمياً، وكلتا الخطوتين تناقضان الشفافية وتعملان على تقويض رقابة الرأي العام، مما يرفع من احتمالات حدوث الأخطاء وحتى الخطايا.

كذلك تتعاظم المخاطر عندما تسود الضبابية أكثر من أي وقت مضى بشأن علاقات الكويت الاستراتيجية مع الاقتصادات الكبرى لا سيما مع الولايات المتحدة والصين، فأميركا - ترامب التي تستثمر الكويت فيها نصف استثماراتها السيادية تقريباً ليست أميركا الشريك الموثوق للكويت خلال عقود طويلة، وقد يكون حديث وزير التجارة الأميركي المغلوط هو جرس إنذار لضغوط متوقعة لقرارات استثمارية غير مبنية على قواعد فنية أو صفقات تسلح ونفط ومشاريع لا تتسم بالأولوية، أو حتى العدالة والمصلحة، أما الشراكة الاستراتيجية مع الصين فهي بلا شك أعمق مما يحدث حالياً من مجرد توقيع عقود لأعمال بنية تحتية كميناء مبارك الكبير أو الطاقة المتجددة، فالشراكة الاستراتيجية مفهوم أوسع نطاقاً من أعمال المقاولة، وتتطلب جهوداً دبلوماسية دؤوبة لجعل الكويت جزءاً مهماً من طرق التجارة الدولية.

قيمة التحولات العالمية حتى مع أزماتها تكمن في الاستفادة من دروسها وهو ما لم يتحقق يوماً

مخاطر وقيمة

مخاطر الكويت الاقتصادية معروفة، وتتمثل في اختلالات مزمنة في المبالغة بالاعتماد على النفط وأعباء سوق العمل والتركيبة السكانية ومحدودية الناتج المحلي وضعف تنوعه، وبالتالي فآخر ما نحتاجه هو أن ندخل في مخاطر تتعلق باستدامة المالية العامة أو الاستدانة دون تحوط أو التعامل مع أوضاع وتحولات دولية بلا خطة أو برنامج، ناهيك عن المخاطر الناتجة عن ضعف الشفافية، فضلاً عن ضبابية العلاقات الاستراتيجية... ولعل قيمة التحولات العالمية حتى مع تداعياتها أو أزماتها تكمن في الاستفادة من تجاربها ودروسها، وهو ما لم يحدث تاريخياً في العديد من أزمات وتحولات العالم، وآخرها صدمة أسعار النفط عام 2014، ولا تداعيات جائحة كورونا عام 2020.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق