تُعد الألفة من أبرز العوامل المحددة لتميُّز العلامة التجارية وأصالتها.
وغالباً ما تنتشر في ممرات أي متجر في الإمارات وعلى الرفوف المنسقة والمضاءة بشكل مثالي بعض الملصقات التي تبدو كأنها تندمج مع الخلفية كجزء من ذاكرتها؛ لأنها مألوفة بالنسبة لنا.
وتُعد مسافي واحدة من هذه العلامات، فهي لا تسعى للفت الانتباه، لأنّها كانت هُناك بكل بساطة طوال الوقت.
وتُسلط قصة مسافي الضوء على أهمية الاتساق في تحول العلامة التجارية إلى جزء من الثقافة.
وهذا شيء مثير للاهتمام بحد ذاته، فقد تطوّرت مسافي إلى درجة كبيرة تفوق رسالتها الأساسية، من علامة نشأت عام 1977 تحت شعار بسيط يعدُ المستهلكين بمياه عذبة من مصدر محلي، لتصبح جزءاً من الذاكرة الجمعية للدولة. ولم يكن ذلك نتاج حملات كُبرى أو مساعٍ مستمرة لإعادة الابتكار، وإنّما بمجرد ظهورها المتسق في حياتنا اليومية، سواء في التجمعات العائلية أو صناديق الطعام المدرسية أو الاحتفالات الوطنية وحتى فترات الهدوء التي تتخلّلها.
قد نغفل بسهولة أحياناً عن كمّ الذكريات التي تعبق بها تفاصيل العبوات، لا سيما أنّ تصميمها ونوع الخط المستخدم على الملصق ورائحة المنديل لا تُخزّن لدينا عن وعي، وإنّما تكتسب أهميتها بشكل تراكمي، ليتحول المنتج مع مرور الوقت إلى جزء أساسي من تاريخ المكان.
وقال سعود الغرير، الرئيس التنفيذي لشركة مسافي: «تجسد دورنا على مدار السنين الماضية في التحوُّل إلى جزء لا يتجزأ من أسلوب الحياة اليومية». ويحمل هذا التحوُّل اعتباراً ثقافياً، لا سيما في دولة تسعى لتحقيق التوازن بين العولمة المتسارعة والتمسك بأصالتها وهويتها الخاصة.
ويُمثل تعاون مسافي الأحدث مع الفنانة الإماراتية مريم عباس خلال شهر رمضان المبارك خير دليل على هذه المساعي.
قد تبدو المبادرة ظاهرياً مجرد تصميم لعبوات بإصدار محدود، غير أنّها تحمل في طيّاتها دلائل أعمق، فما الذي يعنيه أن يحمل منتج منتشر في كل مكان مثل عبوات المياه صور نباتات السدر وأباريق المياه التقليدية؟ وما دلالات أن تختار سلعة تجارية أن تحمل خفايا الذاكرة بدلاً من استخدام لغة التسويق؟
يقول الغرير: «لم يكن التعاون بهدف التسويق، بل ينطوي على لمسة خاصة، إذ يُعد رمضان شهراً للتأمل ويتميز بطابع ثقافي فريد، لذلك أردنا لمنتجاتنا أن تعكس هذه الروح. وقدّمت أعمال مريم لمسة مميزة سلطت فيها الضوء على المكان والذاكرة والاستمرارية. كما جسدت تصاميمها أنواع العناصر التي تُكرس هوية الأمة، ورأينا بأنّها تستحق أن تنتشر ويشاهدها الجميع بصورة يومية عندما يستخدمون عبوة المياه».
ويُعتبر هذا الحضور المتأصل انعكاساً لتحوُّل أكبر في رؤية الجيل الجديد من المستهلكين للعلامات المحلية في الإمارات. ويرى الغرير أنّ الشباب الإماراتي منسجم مع الاتجاهات العالمية ومتجذر بعمق في هويته الأصيلة في الوقت ذاته، وهذا ما يدفعهم للبحث عن الأصالة وليس تقليد الآخرين. ومن هذا المنطلق، يتمثل دور العلامة التراثية في تسليط الضوء على مدى الثقة المحلية، إضافة لتقديم منتجات تضاهي العناصر الجمالية العالمية.
ولا يُصاحب ذلك أي نوع من الصخب، وإنّما يكون هادئاً وسلساً، كما كانت الحال عندما تأسست مسافي منذ البداية. ولم يكن نجاحها مبنياً على الطموحات وإنّما على الثقة. وأضاف الغرير: «لطالما حافظت قيم الثقة، والاتساق، والاحترام على أهميتها، حتى في ظلّ التطور الذي تشهده الدولة».
قد تكون هذه نقطة القوة التي تميّز العلامات التراثية مثل مسافي، فهي تبني جسور الثقة مع مرور الوقت ليس من خلال إعادة الابتكار، بل من خلال حضورها المميز في القطاع. وفي سوق تتزايد فيه الخيارات العالمية يوماً بعد يوم، تنفرد هذه العلامات عن غيرها بالألفة وليس بالحداثة. وتستقي قيمتها من كونها معروفة وموثوقة ومحلية.
ويقول الغرير: «لا نحاول مجاراة العلامات العالمية، وإنّما نسلط الضوء على نشأتنا المحلية انطلاقاً من ثقتنا بأن هذا العامل يحظى بأهمية كبيرة. ونهدف إلى ضمان اتساق رسالتنا مع أولئك الذين يرسمون ملامح الفصل المقبل من تاريخ دولة الإمارات».