هناك 4 مسلسلات مصرية (هذا المساء، أعلى نسبة مشاهدة، منتهي الصلاحية، فقرة الساحر)، تطرقت إلى التهديدات الأمنية الشائعة فيما يتعلق بالأمن السيبراني للأفراد، لكن نركز في هذا التقرير على التحليل النقدي الفني لهذه الأعمال، بالإضافة إلى فهم أهمية مثل هذه الأعمال الدرامية في الوقت الحالي، التي تُكتشف على مدار فترات قصيرة قضايا تتعلق بالأمن والاحتيال الإلكتروني.
ما هو الأمن السيبراني وتهديداته الأمنية؟
وضعت عشرات الكتب تعريفات متنوعة لمعنى مصطلح الأمن السيبراني، ونشير في هذه السطور إلى واحدٍ منها والذي ورد في كتاب "الأمن السيبراني: المفهوم والتحديات" للدكتور فارس العمارات.
وجاء في الكتاب: "إنه عبارة عن مجموعة من الإجراءات التي تُتخذ للدفاع ضد هجمات قراصنة الحاسوب وعواقبها، ويتطلب تنفيذ تدابير مضادة"، وعرفه إدوارد أمورسو أنه "وسائل من شأنها الحد من خطر الهجوم على البرمجيات أو أجهزة الحاسوب أو الشبكات، من خلال مواجهة القرصنة وكشف الفيروسات ووقفها".
ووفقا لما ورد في كتاب "الأمن السيبراني المفهوم والتحديات": "تشير المقاربة الإيتومولوجية لكلمة cyber إلى لفظ يوناني مشتق من كلمة kubernetes أي الشخص الذي يدير دفة السفينة، حيث تستخدم مجازا للتعبير عن المُتحكم".
ونستعرض في هذا الصدد التهديدات الأمنية المحتملة للأفراد التي تتعلق بالأمن السيبراني، من خلال الرسم التوضيحي التفاعلي التالي:
تعرضت المسلسلات المذكورة لبعض أنواع التهديدات الأمنية السيبرانية، وقدمت معالجة درامية متماسكة لهذه التهديدات في سياق يسعى للوصول إلى الجمهور من خلال الفن وليس الخطابية المباشرة، حيث يعد الفن لدى كثيرين وسيلة جيدة لتمرير الرسائل الهادفة وإحداث التغيير والتوعية في المجتمعات، والتهديدات التي تعرضت لها المسلسلات: برامج الفدية، والهندسة الاجتماعية، والMalware .
تعدُدية المعالجات لمخاطر حداثية
عرض مسلسل هذا المساء في موسم دراما رمضان 2017، من تأليف وإخراج تامر محسن، وبطولة إياد نصار ومحمد فراج وأحمد داود وحنان مطاوع، وأروى جودة وأسماء أبو اليزيد وهدى المفتي وخالد أنور.
وكان من أول الأعمال التي تعرضت لمشكلات التهديدات الأمنية الخاصة بالأفراد، إذ دخل العمل إلى عمق تعامل من يسمون أنفسهم "الهاكرز" مع عمليات الابتزاز الإلكتروني والفدية، من خلال شخصية سوني وتريكة، وهما شابان من منطقة شعبية لديهما منفذ لتصليح وبيع هواتف المحمول، ويستغل سوني منفذه لاستدراج العملاء النساء والفتيات واستغلالهن جنسيًا وابتزازهن لتحقيق أهداف مالية وجنسية، بعد أن يتحول هاتفهم إلى جهاز على المشاع يمكن التجسس عليه ومراقبته ونسخ البيانات الشخصية التي يتضمنها بمنتهى السهولة.
وقدم تامر محسن حبكة درامية معقدة تتكون من طبقتين اجتماعيتين ومن خلال هذا التناقض استطاع بناء عالم متشابك من العلاقات، وكانت قضية التهديدات الإلكترونية السيبرانية للأفراد جزء من هذا العالم بل محرك رئيس للشخصيات، مثل شخصية تقى، والتي وقعت تحت وطأة الابتزاز الإلكتروني والتهديد بصور خاصة تم الحصول عليها بعد اختراق هاتفها.
كما نجد توظيف أحد أنواع الاحتيال الإلكتروني من خلال ما يعرف بالmalware، وهي عبارة عن برنامج عند تثبيته يمكنه مراقبة أنشطة المستخدم، وإرسال بيانات سرية أو مساعدته في اختراق أهداف أخرى داخل الشبكة، فيما يتم تثبيت هذه البرامج الضارة بإحدى هذه الطرق، حيث ُطلب من المستخدمين اتخاذ إجراء، مثل النقر فوق أي رابط أو فتح مرفق، وذلك ما فعله أكرم بمعاونة سوني مع زوجته لكي يتجسس عليها.
ويستعرض العمل استباحة المخترقين للحياة الخاصة للأفراد وطرق السيطرة عليهم وجذبهم وسُبل استغلالهم على أصعدة مختلفة، وتحديداً ركز العمل على أثر ذلك على الفتيات في المناطق الشعبية.
وفي مسلسل أعلى نسبة مشاهدة، تأليف سمر طاهر وإخراج ياسمين أحمد كامل وبطولة سلمى أبو ضيف، يطرح العمل إشكالية مهمة وهي علاقة الأفراد بمنصات التواصل الاجتماعي، وفي خضم هذه القضية تحديدا في الثلث الأخير من العمل يدمج في طياته الدرامية مشكلة أخرى كبرى وهي الاتجار بالبشر والدعارة عبر شبكات الإنترنت.
واتبع المستفيدون استراتيجية "الهندسة الاجتماعية" من خلال جذب الفتيات إلى الربح من الإنترنت عن طريق فتح محادثات مع رجال عبر تطبيقات محادثة واستغلالهن لتحقيق أرباح طائلة، وفي المقابل منحهن جزءًا من المكسب المالي، مما يخلق شبكة واسعة من الجذب والاصطياد للفتيات الصغيرات عبر هذه المنصات الإلكترونية.
وتعد مشكلة الابتزاز الإلكتروني من أبرز النتائج الناجمة عن الهندسة الاجتماعية، حيث يفقد الشخص السيطرة على بياناته ومحتواه المُتضمن على جهازه الخاص، ويصبح عُرضة للاستغلال وتحت سيطرة المُتحكم، وقد قُدمت هذه المشكلة في معالجة إحدى حلقات مسلسل ساعته وتاريخه، إخراج عمرو سلامة وإشراف على الكتابة محمود عزت.
ويمكن أن نرى في مسلسل "فقرة الساحر"، تأليف إياد صالح وإخراج تامر محسن، نموذجًا للأعمال التي توظف التكنولوجيا بمهارة في الأحداث الدرامية، حيث تقوم أركان العمل على قدرات ثلاث شباب وخبراتهم في مجال التكنولوجيا الحديثة وتوظيفها لصالح تحقيق عمليات غير مشروعة.
وفي أولى عملياتهم يتم اختراق هاتف أحد الشخصيات لتغيير مسار تحركه من خلال تضليله بمعلومات غير حقيقية يتم إرسالها عبر الهاتف، وفي خط درامي آخر تتولى الشخصية الرئيسية لمى (أسماء جلال) اختراق هاتف مديرها، وأجهزة الشركة في العمل وتطلب فدية بعد سيطرتها على كل البيانات المتاحة، وتطلب فدية مالية لكي تفك التشفير كما تبتز مديرها وتهدده بعد الحصول على بيانات شخصية يضمها هاتفه، وذلك ما يحدث مع الأفراد غالبا عندما يتعرضون إلى برامج الفدية، والتي تحول الهاتف إلى دُمية في يد شخص آخر غير مالكه.
أما مسلسل منتهي الصلاحية، تأليف محمد هشام عبية وإخراج تامر نادي، فهو يعرض لنوع آخر من "الهندسة الاجتماعية" والتي تعتمد على جذب المستخدمين نحو تحقيق مكاسب مالية، من خلال المراهنات، وهذه الحلقة المفرغة التي تجذب المستخدم لها تجعله لا يصل إلى أي نتيجة أو مكسب بل هو في حالة خسارة مستمرة، وهذه العملية تقع تحت بند الاحتيال الإلكتروني، من خلال تحويل الأفراد إلى خزائن مالية متحركة الهدف هو إفراغها تماما، والوسيلة في هذه العملية هو التطبيق الإلكتروني الذي يُحدث حالة من التخدير للأفراد في البداية قبل أن ينسحقوا في دائرة الخسائر المتتالية.
الدراما طريق قصير للتوعية
وفي هذا السياق تحدثنا إلى أحد صناع هذه الأعمال للاقتراب أكثر من رؤيته للعمل، حيث قال الكاتب محمد هشام عُبية ل"الشروق": "طرح علي المخرج تامر نادي فكرة عمل مسلسل عن المراهنات الإلكترونية، وقد وجد أن المراهنات منتشرة في دوائره المقربة، مما دفعني للبحث بعمق أكثر وراء الموضوع، وفوجئت بالفعل أن المراهنات الإلكترونية أكثر من مجرد لعبة لقضاء الوقت، وأنها بالفعل باب يختبئ خلفه عشرات التفاصيل المرتبطة بفقدان السيطرة على الذات، والدخول في نفق إدمان المراهنات، وخسارة الأموال بغزارة، والاضطرار للقيام- ربما- بأعمال إجرامية لتعويض هذه الخسارة- وهو ما يعرض الشخص الذي يقوم بالمراهنات الإلكترونية للخطر".
وأضاف عُبية: "إضافة إلى كل ما ذكرته سابقاً فإن كل معلومات الشخص- الذي يدخل حلبة المراهنة- الخاصة المتعلقة بحساباته على منصات التواصل الاجتماعي، وكذلك حساباته البنكية تكون بشكل ما معروفة للقائمين على تطبيق المراهنات في خرق واضح لخصوصيته وأمنه المعلوماتي والشخصي".
وتابع: "كل هذه العناصر- الدرامية إن جاز القول- شجعتني على خوض التجربة عن عالم المراهنات الإلكترونية وتداعياته، لأن أولا عالم لم يخترق دراميا من قبل، كما أنه عالم محفوف بالمغامرة الخطرة وهذه عناصر مغرية لأي كاتب، بطبيعة الحال وأنا أكتب لم أكن مشغولا بمسألة الأمن السيبراني بشكل مباشر لكن التصاعد الدرامي للأحداث داخل العمل دفعنا للخوض في هذه النقطة بالتأكيد، فيما يتعلق باختراق الخصوصية وكشف المعلومات الشخصية، وإتاحة البيانات البنكية لغير أصحابها".
وفيما يتعلق بأهمية الدراما في التوعية بقضايا أمن المعلومات والأمن السيبراني وتبسيط أفكرهما إلى الجمهور قال الدكتور بهاء حسن، رئيس المؤتمر العربي السنوي لأمن المعلومات، إن "الدراما مهمة للغاية في عملية توعية عامة الشعب نظرا لانتشارها ووصولها إلى قطاعات واسعة من الجمهور، لأن المحتال أو المخترق يعتمد بشكل أساسي على قلة المعلومات لدى الناس وهذا يشجع المخترقين ويسهل لهم للاستيلاء على أموال المواطنين، وإلى جوار ذلك نحن دائما نعمل على إقامة مؤتمرات بهدف التوعية فيما يخص قضايا الأمن السيبراني لأنها تبدو للناس أنها موضوعات معقدة لذلك التوعية أمر ضروري خاصة في هذه المرحلة التي انتشرت فيها عمليات الاختراق ومحاولات الحصول على بيانات الأفراد".
0 تعليق