لقد كان هذا الخطاب لحظة فاصلة في تاريخ الكرامة الوطنية، حين أدرك المصريون أن الحقوق لا تُؤخذ لمجرد أنها حقوق، بل تُنتزع، وتُستعاد بقوة الموقف وعدالة القضية.
منذ تلك اللحظة، لم تعد قناة السويس ممرًا مائيًا فحسب، بل أصبحت رمزًا للسيادة والانتصار.
واليوم، وبعد عقود من النضال والبناء، تظل قناة السويس شريانًا نابضًا لا يشيخ، وركنًا راسخًا في معمار الاقتصاد المصري، بل والعالمي. ففي زمن تتصارع فيه الممرات، وتُعاد فيه صياغة خرائط التجارة، لا تزال القناة الرقم الصعب في معادلة الجغرافيا والسيادة، حاملةً على ضفّتيها عبق التاريخ وأمل الغد.
وفي خضم التحديات العالمية المتلاحقة، من تداعيات جائحة كورونا إلى اضطرابات سلاسل الإمداد، مرورًا بأزمة السفينة الجانحة «إيفر جيفن»، وصولاً إلى التوترات الجيوسياسية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، واجهت قناة السويس اختبارات قاسية كشفت عن قدرتها الاستثنائية على الصمود والتكيّف. لقد أثبتت القناة أنها ليست مجرّد ممر مائي، بل مؤسسة استراتيجية تُدار بكفاءة عالية، قادرة على تجاوز الأزمات وتحويلها إلى فرص، مما رسّخ مكانتها كممر آمن وموثوق في قلب التجارة العالمية.
قناة السويس ليست مجرّد ممر مائي، بل شريان دولي تتنفس من خلاله التجارة العالمية، ويُسجّل عبره الاقتصاد العالمي إيقاعه اليومي. أكثر من 12% من حجم التجارة البحرية يمر من هنا، ومن كل قارات الأرض تأتي السفن إلى هذا المعبر المصري.
وقد تابعت باهتمام شديد احتفالية "يوم التفوق" التي نظّمتها هيئة قناة السويس، بحضور دولة رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، فكانت وبحق تجسيدًا حيًّا لروح هذه الهيئة العريقة، واحتفاءً بمن يكتبون في صمتٍ سطور الفخر الوطني، ويضمنون عبور السفن كما يضمنون استمرار الحلم المصري.
وفي هذا السياق، لا يمكن إغفال البصمة التاريخية لفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أعاد للقناة مكانتها الاستراتيجية بتدشين قناة السويس الجديدة، ذلك المشروع العملاق الذي خرج إلى النور في زمن قياسي، ليؤكّد أن مصر حين تُقرر، تُبدع، وحين تبدأ، تُنجز. لم يكن المشروع مجرد توسعة، بل كان إعلانًا بأن مصر قادرة على مجاراة المستقبل ومنافسة البدائل، بإرادة لا تلين، ورؤية لا تنطفئ.
وفي سجلّ الوفاء، يطيب لي أن أبعث بتحية مستحقة إلى الفريق مهاب مميش، الرئيس السابق للهيئة، الذي قاد مرحلة التحول ببصيرة القائد وصدق الجندي، فكان علامة فارقة في تاريخ تطوير القناة، ورمزًا من رموز الإخلاص لهذا الوطن العظيم. وتتواصل مسيرة العطاء بقيادة الفريق أسامة ربيع، رئيس الهيئة الحالي، الذي يواصل العمل ليلًا ونهارًا.
إن قناة السويس لا تحتاج لمن يُدافع عنها، فهي تدافع عن نفسها كل يوم بالأرقام، وتُبرهن على عظمتها؛ إنها الحكاية التي لا تنتهي، والممرّ الذي لا ينضب، والشاهد على أن مصر حين تُريد.. تُبحر دومًا نحو المجد.
حفظ الله مصر وجيشها وشعبها من كل مكروه وسوء.
0 تعليق